يفرض الميدان معادلته على الأرض، وفي أوقات الأزمات والحروب التي تستهدف أمتنا، أظهرت الأشياء على حقيقتها والتاريخ سيسجّل كل شاردة وواردة وهو كفيل بقول الحقائق كلما حان وقت التقييم والحساب.
خلال الفترة المحصورة ما بين بداية عام 2011 ونهاية عام 2014، هناك الكثير الذي يجب التوقف عنده ومعرفة كيف يوجه مسار الأحداث، وما تمّ إنتاجه من وقائع، هناك لدى البعض حالة من الإنفصام التام ما بين الأمنيات وواقع الحال، ودخل البعض في دورة النتائج والتداعيات ولم يقرأ الواقع ومنطق الأشياء، ومستبعداً بذلك حساب الذات والمسؤوليات المفترضة، واختار السير في الركب حرصاً منه على مصالح ذاتية بحتة ارتبطت حكماً بالمشاريع التي استهدفت الأمة وقضاياها، وعندما بدأ هؤلاء الإنسحاب التدريجي من الميدان أصبحنا نسمع عن حركة القمم ومثالها القمة المتعلقة بمجلس التعاون الخليجي.
قبل شهر عقدت قمة “الرياض” وبعد أيام قليلة ستعقد قمة “الدوحة” والجديد هو ما يتم تسويقه من مفاهيم جديدة حسب وصفات أصحابها، مثل العلاقة بين الدول الست الأعضاء في مجلس التعاون ومع مصر وإيران بالدرجة الأولى.
ومن قمة “الرياض” الى “قمة الدوحة” يجري الحديث عن إرساء توجهات وتوقيع عقد استراتيجي نحو نظام جديد في العالم العربي ونحو الموقع العربي في موازين القوى الإقليمية، والحديث أيضاً عن قمة نوعية وتاريخية، و”إعادة العمل الخليجي المشترك الى مساره الصحيح”، و”التنسيق لمواجهة التحديات في المنطقة”.
ومن بين التحديات التي أشاروا إليها (صعود الإخوان المسلمين وسقوطهم المدوي وفشل مشروعهم)، وكان من الأجدى القول: إن المشروع الأميركي – الغربي سقط في المنطقة بسبب صمود سوريا ومقاومتها ومعها منظومة المقاومة في أمتنا وفي المقدمة منها إيران وما تمثّله من مواقف وإلتزام ووضوح في الرؤية، وهي مَن يفرض معادلة المقاومة على أرض الواقع وصمدت في وجه جميع أساليب الحصار والعقوبات والتهديدات، وهي بالتالي مَن سيحصد التنائج ومعها منظومة المقاومة.
ويقال أيضاً إن من بين التحديات الإقليمية التي ستطرحها قمة “الدوحة” بنبرة جديدة مختلفة هي “إيران وضرورة احتضانها” والهدف الإستراتيجي المطلوب هو الإستقرار في المنطقة، وسيتم التأكيد على دعم المفاوضات النووية بين إيران والدول الخمس الدائمة العضوية من مجلس الأمن زائد ألمانيا، وذلك من أجل إنجاح المفاوضات، لأن إنهيار المفاوضات أمر مرعب لما قد يسفر عنه من مواجهات.
واللافت أيضاً، أن قمة “الدوحة” سيصدر عنها ما يلبي رغبات “عُمان” بأن تكون لها حرية العمل وإزالة العقبات في العلاقات الخليجية – الإيرانية، والإشادة بخطواتها البناءة.
يبدو أن التداعيات الإيجابية للمفاوضات الإيرانية في الملف النووي بدأت تصل لعواصم الخليج، وحديث عن نقطة “لقاء المنافع” بين إيران والدول الخليجية، حيث “ستوجه كل الجهود لمحاربة “داعش” الذي يمثّل خطراً وجودياً”.
وفي الوقائع، أكّد وزير الخارجية الإيرانية محمد جواد ظريف بأن إيران تقترب من النجاح في إيجاد حل للملف النووي يحفظ حقوق إيران ويقرن النجاح هذا “بنتائج تشمل تعزيز القدرات إيرانياً وإقليمياً”، وهذا يعزز الفرضيات التي تحدّثت عن الدور الإيراني الإقليمي، وبدأت النتائج بالظهور تدريجياً، وجاء اجتماع بروكسل للدول الستين المشاركة في “التحالف الدولي” بالتوازي مع ما أعلنه الجانب الأميركي من ضرورة البحث في إجراءات تجفيف مصادر تمويل المتطرفين وإعلانه بأن إيران تساهم في محاربة “داعش” بحكم الأمر الواقع.
وهذا يترجم ما تمسّكت به إيران عندما طالبت الولايات المتحدة بالإعتراف علناً بدورها في الإقليم واعتبرته شرطاً لإستكمال المفاوضات والإنجاز خلال مهلة محددة كما صدر. وما بين مؤشرات النجاح، رفضت واشنطن إقامة منطقة حظر جوي في شمال سوريا، وهذا يأتي أيضاً بالتوازي مع الإنتصارات التي يحققها أبطال الجيش العربي السوري في الميدان وتشديد ضرباتهم لـ “داعش” و”النصرة”.
نقول ما يجري في القمم الخليجية هو استجابة لواقع الميدان بعد أن أعطى الجانب الأميركي إشارة البدء لمسرح جديد من الصراع الذي سيستمر بأشكال مختلفة.