كل الدلائل والمؤشرات التي كانت ترد حول مداولات جولات التفاوض بين إيران والدول الست المعنية بملفها النووي، جميعها أوضحت بأن المفاوضات مستمرة والتمديد ضرورة، وذلك نظراً لتداخل وتقاطع مصالح الدول المعنية أو لجهة تأثير النجاح أو الفشل على مصالح بعض الأطراف الدولية إيجاباً أو سلباً، وفي القواسم المشتركة أصبح تمديد المفاوضات لمدة 7 أشهر أمراً واقعاً، وهذا لم يكن مفاجئاً، فالملف النووي ارتبط حكماً بما يدور في المنطقة من صراع علني أو ضمني بين أطراف عديدة، ومددت المفاوضات، التي كان مقرراً لها أن تنتهي بإتفاق في 24 تشرين الثاني، الى أواخر حزيران 2015 مع تعهد الطرفين التوصل الى إتفاق أساسي بحلول مطلع آذار 2015، على أن تحصل إيران خلال الشهور السبعة تلك على نحو 5 بلايين دولار وهي جزء من أرصدتها المجمدة في الغرب، وتضاف إليها الفوائد.
وزير الخارجية الأميركية جون كيري، دعا الكونغرس الى دعم تمديد المفاوضات، وقال: “إن التوصل الى إتفاق جيد مع إيران يتطلب وقتاً طويلاً”، والمفاوضات صعبة وقاسية، ومع ذلك حققنا تقدماً، ونعمل لمعالجة نقاط الخلاف، ونحن أقرب الى اتفاق مع إيران، يجعل دول المنطقة أكثر أمناً، ويؤكد كيري، “إن بلاده ملتزمة عملية التفاوض وهي أفضل السبل لإبرام إتفاقات وهذا هو السبيل لإلغاء العقوبات وبألا تملك إيران سلاحاً نووياً”.
وحسب مراقبون، يبدو أن تمديد المفاوضات هو السبيل الأمثل، نظراً الى حاجة الجانبين لردم فجوات في مسائل تخصيب اليورانيوم وما يتعلق بمنشأة آراك التي تعمل بماء ثقيل وآلية رفع العقوبات عن إيران.
وقال وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند من فيينا: “حققنا تقدماً مهماً، وأنه لدى الجانبين هدفاً واضحاً في التوصل الى اتفاق أساسي بحلول مطلع آذار 2015، وذلك في نص يحدد في لغة عامة، إتفقنا على فعله”، على أن يتّفق خبراء بحلول حزيران 2015 على ترجمة الأمر الى محددات دقيقة لما سيحدث على الأرض”، وذلك في إشارة الى ملاحق فنية لتسوية شاملة. وأشار الى أن المفاوضات ستستأنف في الشهر المقبل (كانون الأول) في سلطنة عمان.
وأجمعت مصادر الدول 5+1 + ألمانيا على أن الخلافات اقتصرت على تفاصيل تقنية وأن تقدماً مهماً قد حصل في المحادثات، ومن المرجح أن يتم التوصل خلال ثلاثة أو أربعة أشهر الى “مبادئ أساسية لإتفاق نهائي”.
وفي قراءة نتائج المفاوضات وسياقها الإقليمي والدولي، والإنشغال الأميركي بالملف النووي والحرب ضد الإرهاب، وأزمة أوكرانيا، وعدم حسم أيّاً من تلك الملفات، فضّل الجانب الأميركي استمرار الحالة الراهنة في حسابات الملف النووي الإيراني، فيما صعّدت روسيا من مواقفها العملية من خلال تعاقدها مع إيران لبناء مفاعلات نووية جديدة قبل أيام فقط وخلال فترة المفاوضات بين وزير الخارجية الإيرانية محمد جواد ظريف ونظيره الأميركي جون كيري، وهذا يعني أيضاً، أن روسيا أرادت دعم الموقف الإيراني في المفاوضات والتأثير المباشر في نتائج التفاوض، وعدم السماح للجانب الأميركي بالضغط على إيران ومحاولة انتزاع تنازلات معينة، أي أن روسيا تريد اتفاقاً جيداً لمصلحة إيران، وهي ترغب بأن تأخذ إيران دورها كلاعب أساسي في المنطقة، وعدم السماح للجانب الأميركي في تحقيق أي اختراق لصالحه، من شأنه أن ينعكس على بقية الملفات العالقة في المنطقة وغيرها وخاصة دور إيران الإقليمي في المرحلة اللاحقة بعد التوصل الى اتفاق نهائي.
لقد انعكس ركام القضايا التقنية والسياسية والاقتصادية وتضارب المصالح على نتائج تلك الملفات، وفي الوقائع العملية كانت المفاوضات تدور بين إيران وأميركا، لكن ممثلي الدول الست كل بمفرده لديه حساباته الخاصة، وكانت هناك تناقضات مستترة في مواقف الأطراف المختلفة.
ما يمكن قوله، نجحت إيران في إرساء آلية عمل تتناسب مع الحفاظ على قدراتها النووية للأغراض السلمية، من خلال الاحتفاظ بأدوات العمل والتقنيات الضرورية مع وجود رؤية واضحة للجميع، أنها لن تفرط بحقوقها النووية وهي بذات الوقت مصرة على التوصل الى اتفاق جيد، وما بين الرغبة والمقدرة، حققت إيران جملة من الأهداف وهي التي تقرأ جيداً محددات الصراع وآلياته في المنطقة، وهي بذلك منعت ما أراده الآخرون من عملية خلط الأوراق، لم تتنازل في أي من الملفات الساخنة وهذا يدعم دورها اللاحق، ويفتح المجال لتحقيق إنجاز ربما يشكّل المدخل الموضوعي لتحقيق الاستقرار في المنطقة وترسيخ تحالفاتها القائمة على أحسن وجه، ومقدمة لتحقيق المزيد من الإنتصارات في حسم القضايا لصالح محور المقاومة وإرساء نظام عالمي أكثر توازناً وبعيداً عن هيمنة الولايات المتحدة وبقية دول الغرب الاستعماري.