منطقة الشرق الأوسط برمتها الى أين؟
لنبدأ من المسار الذي أوصل المنطقة الى لحظتها الراهنة. كيف بدأت الأحداث في عالمنا العربي؟ ومَن هي الدول التي موّلت ما يجري من حروب ولمصلحة مَن؟
تمّ خلط الأوراق جميعها وفرض نوع من التعمية على حقيقة ما يدور في المنطقة. وبعد أن أصبحت الأهداف الحقيقية للحرب التي تدور رحاها في المنطقة واضحة المعالم وظهرت الحقائق تباعاً، شكّلت الولايات المتحدة ومَن يدور في دائرتها ما يسمى بـ “التحالف الدولي” لمحاربة إرهاب “داعش” و”النصرة” وغيرها، ولكن شتّان ما بين الأقوال والأفعال.
إنها مسرحية تراجيدية بكامل المقاييس، الحرب على الإرهاب مسؤولية الجميع في المنطقة وعلى مستوى العالم، لأن الإرهاب يستهدف الجميع، ولو صحّت النوايا الأميركية والغربية عموماً لتغيّر المسار بكلّيته، فماذا يمنع أن تكون الحرب على الإرهاب مبنية على قرارات دولية واضحة بأهدافها ومغطاة بشرعية لا لبس فيها؟
تساؤلات كثيرة حول تلك الحرب، والإحتمالات مفتوحة والمتوقع هو زيادة أمد الحالة الراهنة الى أجل غير مسمى والدخول في لعبة الوقت، لأن الأهداف الخفية من وراء تلك الحرب لا تقتصر على منطقة بعينها بل هناك جملة من الأهداف تظهر تباعاً ونحن أشبه ما نكون أمام متوالية هندسية تبدلاتها سريعة.
يعتقد الرئيس الأميركي أوباما بأن الحرب التي تدور في المنطقة هو مَن يملك أدواتها ولذا فهو المستفيد الحصري من نتائجها بينما على المشاركين فيها أن يدفعوا الثمن صاغرين ولا خيار أمامهم بعد أن وعدهم بأن الآتي أعظم والإرهاب سيطالهم، إنها نوع من الهيمنة الاستعمارية الجديدة.
أما الجانب الروسي فقد استوعب اللعبة التي تدور، لكن الوقائع على الأرض تحتم على بوتين أن يثبت من جديد عظمة دور بلاده وقدرتها على مواجهة التحديات على نحو ما حصل إثر ضم شبه جزيرة القرم. وروسيا اليوم مدعوة الى فرض وجودها على حلبة السياسة الدولية وهي تملك من الإمكانيات والتحالفات والبعد السياسي والأخلاقي ما يؤهلها لتكون في صدارة الأحداث.
إن عودة روسيا الإتحادية الى الساحة الدولية عليها أخذ المبادرة في المنطقة وأن تقول كلمتها كدولة عظمى في العالم، وكذلك فإن الاعتماد على النوايا الأميركية المعلنة هو نوع من الركون لشريعة الآحادية الأميركية التي تحاول تجديد نفسها، لذلك فإن لدى روسيا هواجس وحسابات دقيقة وهي تدرك أكثر من غيرها بأن الحرب على الإرهاب شيء وما يجري تسويقه من “التحالف” الأميركي شيء آخر مختلف.
لذلك تدرك روسيا الاتحادية التي اعتبرت على لسان أحد مسؤوليها الكبار بأن “التحالف” ضد “داعش” ليس حفلة في ناد وأن موسكو لا تنوي شراء تذاكر دخول وأن أي عمل دولي لمكافحة الإرهاب يجب أن يلتزم القانون الدولي وأن يكون بموافقة دمشق”، وأن التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب التي تقوده أميركا لن يستطيع أن يقرّر وإن بعد سنوات طويلة مصير الشرق الأوسط ومستقبل كيانه ودوله وأنظمته، ولن تكون له الكلمة الوحيدة في العالم الأوسع، فالآحادية الأميركية سقطت بعد أن تحوّل الخلاف الأميركي – الروسي إزاء الأزمة السورية الى صراع مكشوف بل حرب باردة وإعلان موسكو حربها على “الإرهاب التكفيري العنفي” الذي توسل الطائفية والمذهبية والتعصب والتكفير سبيلاً للإنقضاض على الدول والأنظمة وممارسته أبشع أنواع التنكيل والإجرام في تاريخ البشرية.
لذلك يشير عدد من المحللين الى أن روسيا الاتحادية لا تعوّل كثيراً على “التحالف الدولي” بعد إخفاق أوباما ضم طرف إقليمي مهم جداً إليه هو الجمهورية الإسلامية الإيرانية واستبعاد واشنطن الجيش العربي السوري من هذا التحالف على الإرهاب علماً أن المعركة هي على الأرض السورية، والجيش العربي السوري هو أكثر جيوش العالم يقاتل الإرهاب كما أن أميركا التي تتولى قيادة التحالف لمواجهة الإرهاب هي من أسهمت في صناعته والدول التي تشارك فيه وتحديداً الدول الخليجية هي مَن أسهمت بدعمه وتمويله وتسليحه والتغطية عليه سياسياً وإعلامياً.
لا شك بأن روسيا الإتحادية التي استعدت لكل سيناريوهات الأزمة السورية واستطاعت بدعم من حلفائها الإيرانيين والسوريين في ضرب السيناريو الأميركي الذي هدف الى تدمير سوريا وإضعافها وإسقاط نظامها المقاوم، وفّشلت أميركا من فرض هيمنتها على الشعب السوري الذي استطاع بوحدة أبنائه أن يغيّر ميزان المعادلات الدولية الحاصلة على أرض الواقع وأن يرسم ملامح مرحلة جديدة من تاريخ سوريا، تصرّ على أن أميركا غير مؤهلة أخلاقياً لقيادة تحالف ضد الإرهاب لأن الإرهاب صنيعتها في أفغانستان وفي كل مكان تواجدت فيه والهدف من وراء تشكيلها “التحالف” ضد “داعش” هو زيادة نفوذها في المنطقة.
منذ اندلاع الأزمة السورية يقاتل الموقف المتمسك بالآحادية الأميركية قتالاً تراجعياً، يتراجع هو خطوة فتتقدم القوى المتحالفة مع روسيا الإتحادية خطوة ما يشجعها على الضغط لتحقيق تراجع جديد. وربما بناء على هذا النموذج المستقرأ من أحداث الصراع الدولي على سوريا يمكن تفسير العمل السياسي والخطاب المذهبي الذي بلغ حدًّا أن يندفع بعض المتضررين من انكفاء المجموعات التكفيرية في لبنان الى الاستمرار بشن حملتهم المنظمة على “حزب الله” من بوابة تدخله في الأزمة السورية، وهو أمر عبثي وهو يدار من قبل فريق عمل غربي – خليجي يحاول استغلال محطات مفصلية في الأزمة السورية على أمل الاستفادة منها لمحاصرة المقاومة التي تخفي تحالفها الاستراتيجي مع الدولة السورية التي تخوض “معركة المصير” بالنيابة عن محور المقاومة في مواجهة المعسكر الأميركي الواسع على الساحة السورية.
أما في لبنان الذي أعلن رسمياً انخراطه في “التحالف الدولي” لمواجهة إرهاب “داعش” تبقى قضية شغور رئاسة الجمهورية شأن آخر وخط نهاية، حيث من المتوقع الإتفاق في نهاية المطاف على صيغة تتراجع من خلالها الأطراف السياسية المتنازعة خطوة الى الوراء ليتقدما سوية الى خط يلتقيان فيه بموجب اتفاق على هوية الرئيس وتركيبة الحكومة والإتفاق على سن قانون انتخابي عادل وعلى أساس النسبية. أما إذا لم يتم التوصل الى مثل هذا الإتفاق في ظل استمرار الخلافات القائمة بين اللبنانيين والعجز السياسي المتمثل بعدم القدرة على إنجاز الإستحقاقات الوطنية، فإن الساحة الداخلية ستكون جاهزة دائماً للإنفجار مع ارتفاع منسوب المخاطر الأمنية بسبب تزايد وتيرة نشاط الجماعات التكفيرية، عندها يصبح من البديهيات أن يحظى الجيش بأقصى دعم شعبي وسياسي تجاه حماية أهلنا والوطن، وأن تطلب من الجميع تدعيم هذا الموقف باللجوء الى خيار “أنصار الجيش” في كل المناطق لمواجهة هذا الوحش التكفيري وحفاظاً على كرامة البلد والجيش والدولة.
في زمن “داعش” يبدو المشهد الدولي الذي تتنافس فيه قوى دولية وإقليمية ضمن محورين: الولايات المتحدة وحلفاؤها في الإتحاد الأوروبي والخليج و”إسرائيل” من جهة، وروسيا الإتحادية وحلفاؤها في الصين وإيران وسوريا وأميركا الجنوبية من جهة ثانية، قد وصل الى منعطف خطير فُتحت فيه كل الساحات والإحتمالات بعد أن توسلت السياسة الأميركية “الإرهاب التكفيري” وسيلة لرسم خرائط المنطقة والعالم.
وفي ظل هذا النظام العالمي الجديد يبدو بما لا يقبل الشك أن روسيا تمكنت من ضرب الآحادية الأميركية وتثبيت واقع عالم متعدد الأقطاب في حين تصر أميركا على إبقاء “شعرة معاوية” في تعاملها مع موسكو بدءًا من دمشق الى كييف كي لا تخرج السياسة الروسية عن المألوف حيال العديد من الملفات الحساسة كالملف النووي الإيراني وأزمة أوكرانيا الداخلية والأزمة السورية وغيرها من المسائل العالقة التي قد تخل بالتوازن الاستراتيجي في المنطقة.
أمين الداخلية والإعلام هشام الأعور