يؤكّد باحثون أميركيون بأن الحرب الأميركية على الشرق الأوسط ستنتهي الى الفشل. والحرب الجارية تحت مسمى “التحالف الدولي” ستطول سنوات عدة، وفي هذا الشأن يقول البروفيسور أندرو باسيفيتش العسكري الأميركي السابق “حتى لو انتصرت أميركا في حربها ضد “داعش” فإنها على الأمد البعيد ستخسر كثيراً، لأنها بذلك ستتورط ربما لعقود عدة في المنطقة ولن تجد نفسها قادرة على الرحيل مبكراً، كما فعلت في أفغانستان والعراق، فقد يتوجب عليها أن تكون “الحكم” الجديد في عملية إعادة تقسيم دول المنطقة وترسيمها، ما يحقق نظرية “سايكس – بيكو”.
وهناك أصوات أميركية تؤكّد أن الخسارة رابضة خلف الباب لأن الحرب على الإرهاب بالمنظور الأميركي، لم تستهدف الإرهاب في شكل كامل، وإنما كان الاستهداف انتقائياً، لذلك هناك ردات فعل ستكون في شكل أقوى من الفعل ذاته نتيجة الحالة السائدة، والخطأ الأميركي يستمر في مكافحة الإرهاب، ولأن التعامل يتم مع أعراض المرض وليس مع المرض ذاته، وكان الأجدى البحث في المسببات الأساسية إذ لا يكفي القتال وحده على جبهة النار دون مكافحة جبهة الأفكار والأسباب الرئيسية في نشأة الإرهاب وكيف تمّ استخدامه ودعمه؟! من أجل الهيمنة على المنطقة وتحقيق أهداف أخرى أبعد من كل ما هو معلن.
الولايات المتحدة في حروبها في أفغانستان والعراق، لم تتمكن من تحقيق أي نصر سياسي، بل أدّى بها الأمر الى تقوية خصومها التقليديين في نهاية الأمر، الذين يحاربون المشاريع الاستعمارية الجديدة في المنطقة، واستمر الإرهاب الذي زعمت أنها تحاربه، الأمر الذي يتعلق بالسلوك الأميركي الذي يستعين بقوى الإرهاب لتحقيق مكسب لا يتعدى نقاط محددة ضد خصومه وبنفس الوقت يتم دفع الأثمان تحت عنوان محاربة الإرهاب، والجديد الأميركي في حرب “التحالف” هو استخدام إمكانيات حلفائه في الحرب الجديدة، المادية منها (النفطية) والسياسية من خلال إعادة ترتيب سلم الأولويات وفق المصالح الأميركية والإسرائيلية في المنطقة.
لذلك انتقل الصراع الإقليمي والدولي الى أسواق النفط العالمية، عن طريق السعي الى زيادة كمية المعروض منه كما فعلت السعودية، والهدف تخفيض أسعاره بحيث يؤدي الى خسارة مؤكدة لمصدري النفط مثل إيران وروسيا بسبب تراجع الإيرادات المتوقعة، أي أن الاقتصاد والسياسة وجهان لعملة واحدة، وهذا يعني تحولاً في مسار الحوار المفترض بين السعودية وإيران لمصلحة التصعيد في سوق النفط.
وهذا ما كتب عنه فريدمان في صحيفة “نيويورك تايمز”: “عن اتفاق بين أميركا والسعودية، عبر زيادة المعروض من النفط في الأسواق العالمية للهبوط بسعره وبالتالي التأثير السلبي على الاقتصاد “الروسي”، ومن ثمّ استنزاف قدراتها تدريجياً، سواء في أوكرانيا أو منطقة الشرق الأوسط”.
والسؤال هنا يتعلق بالتوقيت وكيف يتم استخدام النفط في الحرب من أجل تحقيق أهداف سياسية وبعيدة عن ساحة الميدان؟ فهل هي خطوة استباقية لإيجاد قواسم مشتركة جديدة للعمل في المنطقة بعد التخوفات من احتمال اقتراب الاتفاق النووي بين إيران والدول الست الكبرى؟
وهل هي مجرد وسيلة للضغط على إيران لمنعها من المنافسة في أسواق النفط والتقييد في صادراتها النفطية؟ ومحاولة إضعافها واستنزاف قدرتها ومحاولة تقليص دورها الفاعل في المنطقة.
يبدو بأن هناك احتمال كبير، أن يتم رفع كامل العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران من خلال الاتفاق مع دول 5+1، وما يتبع ذلك من إمكانية نجاحها في جذب استثمارات جديدة ومن ثمّ زيادة صادراتها النفطية، وما يجري هو محاولة عرقلة الهدف الإيراني ولو جزئياً ومنع إيران من زيادة حصتها في السوق العالمية.
يمكن القول، إن الصراع الإقليمي قد انتقل الى ساحة الأسواق النفطية للتعويض على خسائر في ساحة الميادين على الأرض؟ وبأن الأمور مفتوحة على جميع الاحتمالات وفي جميع الساحات وهي حرب بين مشاريع مختلفة تماماً.
العامل الحاسم في تحقيق النصر يرتبط بالإرادة والعزم ونظافة القضايا، وليس بأسعار النفط وجبروت القوى الاستعمارية أو الارتباط بها، وبالتالي فإن موازين القوى الحقيقية هي تلك المتعلقة بالاستعداد للقتال دفاعاً عن الأرض والحقوق أي أن الإنسان هو مصدر القوة وهو صاحب المصلحة الحقيقية في حماية وطنه ومهما بلغ حجم التضحيات.