في توصيفنا للحرب الدائرة في منطقتنا، هي حرب الأوجه المختلفة، لكن مضمونها واحد، هي حرب تصفية الحسابات الإقليمية أو الجزء الأكبر منها، والهدف صياغة توازنات دولية جديدة، هي حرب ولا كل الحروب وفي الميدان هي حرب التفتيت وخلط الأوراق، واستنزاف القدرات ونهب الموارد والهيمنة.
تبدو الاستراتيجية الأميركية للناظر من بعيد وكأنها غير معروفة، لكن إذا نظرنا الى “إسرائيل” ربيبة الإمبريالية العالمية نجدها المستفيد الأكبر من هذه الحرب، ونرى تركيا التي تحاول اللعب بكل ما امتلكته من خبرة وأحلام تراودها لبناء عثمانية جديدة على حساب قضايا أهل المنطقة.
وحول الأدوار المرسومة لأدوات الحرب المستعرة، نجد “داعش” من خلال استراتيجيتها وما تبغيه ولديها الرئيس الأميركي أوباما في صورة المشهد وتحت غطاء حربه الدولية المزعومة عليها، يتم استهداف قضايا العرب واحدة تلو الأخرى عن طريق إضعاف الدول القائمة أو إزالتها من الوجود.
ويلعب الإعلام دوره في الترويج لقدرات “داعش” وتصويرها على أنها فوق العادة وتحتاج لهذا الكم من الدول لمحاربتها وبقيادة الولايات المتحدة وفي الواقع نجد دول المنطقة القائمة هدفاً للحرب التي تشنها “داعش” أو مَن يحاربها، وعليها أن تدفع الثمن.
وأريد للحرب أن تُشن ضد “داعش” وأن تكون دون خارطة واضحة وهذا يتطابق مع السيناريو المطلوب والهدف إطالة أمد الحرب لتحقيق الأهداف والغايات الأميركية والإسرائيلية منها.
وإذا كان عنصر المفاجأة وعامل الوقت هو العامل الحاسم في حسم المعركة، فهذا أمر مستبعد في حرب “التحالف” التي تدور رحاها بكل أريحية ممكنة، حيث يتم تحديد أماكن الضربات التي ستستهدف بشكل مسبق! أي تحملوا يا “عرب” ما سيحل بكم طوال مدة الحرب، وخاصة أن “داعش” تحارب على أرض غير أرضها ولا تبالي بالدمار ومصير الناس.
ما يجري لن يؤدي الى الحسم العسكري بل الى استنزاف موارد ممولي الحرب ومحاولة استنزاف موارد الدول القائمة في المنطقة وخاصة محور المقاومة، وهذا يقودنا الى معرفة الهدف المقصود من قيام “داعش” وهو استكمال سيناريو الهدم وتفتيت الدول وتدمير البنى التحتية وإشعال نار فتن وحروب قد تستمر عشرات السنين.
ويقال إن ما يحصل هو ارتداد طبيعي لزلزال “11 أيلول 2001” التي تبنّت فيه “القاعدة” تفجيرات نيويورك وواشنطن، وكان من نتائجه ضرب القضايا العربية وفي مقدمها قضية فلسطين وإقدام الولايات المتحدة على احتلال العراق وأفغانستان وتدمير ركائز الدولتين.
والسؤال اليوم حول حقائق على ما يجري على الأرض والبشر من حروب هو استمرار لنهب الثروات العربية وضرب الأمن والاستقرار، وما ستجر إليه الحرب عبر هذه الظاهرة الجديدة (داعش) من حروب وفتن ودمار.
إن استهداف الدول العربية وخصوصاً سوريا والعراق ولبنان وربما الأردن ومصر، إنما يصب وبشكل مباشر لصالح “إسرائيل” وهو مكسب تلقائي وهو ما تسعى الى تحقيقه، وأيضاً كيف يظهر تنظيماً مثل “داعش” فجأة ويمارس أعمالاً تشوّه صورة الإسلام وتضرب الأعمدة الثابتة لأي دولة عربية قائمة وصولاً الى تقويض الدول وتهديد سلامتها الإقليمية وتفكيك عناصر تماسكها ومظاهر وحدتها.
تدفع أمتنا العربية ثمن الحروب وبشكل مضاعف وهي تتعرض لحملة تشويه بالغة تستهدف إضعافها وهي مَن يتحمل خسائر الحروب، وكانت خرجت من الحرب العالمية الأولى خالية ولا شيء في جعبتها سوى “سايكس – بيكو” التقسيم، وكانت نتيجة الحرب العالمية الثانية قيام “إسرائيل” عام 1948، ولم يحقق العرب وحدتهم أو فرض إرادتهم.
واليوم عادت الولايات المتحدة ومعها دول الغرب الاستعماري وجلبت لنا جماعات الإرهاب، ثم سيناريو ردعها في الحرب الدولية الافتراضية، وتزدهر تجارة السلاح الأميركي، هم يصنعون المشاكل ثم يهرعون لعرض حلها، والهدف السيطرة والهيمنة، وإعداد أوراق جديدة تختلف عن “سايكس – بيكو” وتقف “إسرائيل” في مقدمة المستفيدين ودورها المؤثر في مسار سياسات القوى الغربية مازال فاعلاً.
ما تشهده المنطقة هو نتاج طبيعي للسياسات الرسمية العربية وتحديداً تلك الدول التي ارتبطت بالمشيئة الأميركية والغربية عموماً وارتضت أن تكون مجرد تابع، وهي تتوسّل من الغير كي تحافظ على أمنها المزيّف بعد أن فقدت بوصلتها ونسيت أو تتناسى العدو الحقيقي لأمتنا.
نقول، الاعتراف بالخطأ فضيلة والتمسك بالخطأ طريق سالكة نحو الدمار والتاريخ يعلمنا الكثير وهو شهم بالتأكيد ولكنه لن يرحم مَن يفرّط بالأمن القومي العربي على حساب مكاسب ذاتية فيما تتعرّض أمتنا لأعتى هجمة وحرب كونية اختلطت فيها الأوراق، لكن الشعب العربي يعرف الحقائق، وهو لن يضل السبيل.