على وقع الاحداث والتطورات في العراق وسوريا ولبنان اثارت زيارة الوفد البرلماني الاوروبي الى دارة رئيس حزب التوحيد العربي وئام وهاب في الجاهلية تساؤلات عديدة في لحظة دقيقة باتت تحتاج الى فسحة حوار بين ضفتي المتوسط من اجل ايجاد السبل وتنسيق الجهود للخروج من مأزق التمدد الاسلامي المتطرف التي تمثله الجماعات التكفيرية المسلحة وفي طليعتها “داعش” المدعومة من المحور الاميركي – الاوروبي – الخليجي – التركي .
في بداية الازمة السورية كانت قراءة الاوضاع الاقليمية والدولية تبدو للمراقبين كما لو ان ادارة اوباما قد احكمت سيطرتها على سوريا وفرضت منطقها الاحادي على العلاقات الدولية وحسمت النتائج العسكرية لمصلحتها ليس بالنسبة للازمة السورية فحسب بل للعديد من القضايا الاقليمية والدولية التي تشكل في المحصلة النهائية وزن ونفوذ الولايات المتحدة في ميزان القوى الدولية . فبدا وكأن اميركا قد نجحت في تثبيت موقعها كقطب احادي في تراتبية النظام الدولي ،وأضحت المسيطر دون منافس بعد ان استأثرت بمركز القطب الاوحد بعد انهيار الاتحاد السوفياتي .
ولكن ها هي الاحوال قد تغيرت ومروحة الاحداث قد دارت واخذت تفرز حقائق مختلفة على كافة الاصعدة الاقليمية والدولية مما جعل “نشوة” الانتصارات “الداعشية” تتبخر ،وانقلب المشهد راسا على عقب والرياح تجري بما لا تشتهي الطائرات والبوارج الاميركية في المنطقة.
راهنت الولايات المتحدة مثلها مثل الحكومات الغربية وامراء الخليج بعد تقهقر مشروع شن عدوان عسكري على سوريا على سرعة دحر الجيش العربي السوري في وجه “داعش” وجبهة ” النصرة” ،لكن العولمة التي تحدثت عن صبغ العالم باللون الاميركي سرعان ما انهارت على ابواب بلاد الامويين بعد الموقف الروسي الذي اجبر واشنطن على الاقلاع عن عدوانها العسكري على الشعب السوري ،ونجاح التحالف الايراني – السوري والمقاومة في فرض معادلات جديدة على ارض الواقع مما جعل من كفة الميزان العسكري تميل لمصلحة منظومة المقاومة على حساب الجماعات التكفيرية المسلحة التي تمارس ابشع انواع الجرائم وغيرها من الانتهاكات الجسدية والجنسية والتعدي على الممتلكات وتدنيس دور العبادة وحرق المراكز الثقافية واضطهاد الاقليات واكراه الناس على ترك دياناتهم وطردهم خارج مدنهم وقراهم مثل ما حصل مع الاقلية الايزيدية التي لاقت حتفها عندما رماهم مقاتلو ” داعش” وهم احياء داخل قبور جماعية .
امام هذا المشهد المخزي والمعيب بحق الانسانية جمعاء تتداعى عدد من البرلمانيين الاوروبيين الى حالة من الاستنفار الدولي للبحث حول ظاهرة ما يسمى “بالجهاديين” بعد ان تحولوا الى مشكلة اساسية ومثار خلاف وجدل داخل اروقة الاتحاد الاوروبي لاسيما بعد تنامي مخاوف وهواجس الاوروبيين من امتداد ظاهرة الارهاب الى بلدانهم وتهديد امن واستقرار القارة العجوز.
اسئلة عديدة طرحها البرلمانيون الاوروبيون على مائدة الجاهلية انطلاقا من الخصوصية التاريخية التي تربط بلدانهم عبر علاقتها بلبنان، لا سيما وان الاوروبيين قلقون الى حد كبير على الوضع اللبناني وتحديدا ما يتعلق بالشق الامني ،ناقلين عن كبار مسؤوليهم ورؤساء احزابهم معلومات وتقارير تشي بمرحلة خطيرة او “قطوع ” سوف يهدد “الاقليات ” في الشرق عامة مما يضع مصيرهم على المحك في ظل جحيم الحرب والنار والدمار الذي يجتاح المنطقة،الامر الذي جعل من الوزير وهاب يشدد امام ضيوفه على لعب دور كبير في حث الحكومات الغربية على الخروج من حالة “النفاق” الدولي التي تمارسه في المنطقة ،والشروع بدعم الجيوش العربية مثل الجيش العراقي والسوري واللبناني بدلا من التلهي بأكذوبة التحالف الاميركي في وجه مد اسلاموي متطرف لطالما عاش الغرب الاوروبي تحديدا حالة من الفوبيا العميقة تجاهه.
كثيرة هي المعاني والدلالات التي حملتها الزيارة الاوروبية عند وهاب ،ونظرتها الى يوميات الازمة السورية التي تشهد اليوم تحولا تتجاوز ابعاده قضية تمدد الارهاب “الداعشي” او مكافحته ،بل هناك مخاوف اوروبية حقيقية عبّر عنها الوفد الاوروبي من خلال خشيته من نهاية “سايكس – بيكو ” التي وضعت ملامح الحدود السياسية لغالبية دول المنطقة قبل قرابة مئة عام والشروع في التأسيس “لسايس بيكو” جديدة بعد اعلن ابو بكر البغدادي من الموصل قيام الخلافة وتنصيب نفسه خليفة للمسلمين وهي خطوة لم يستبعد الضيوف الاوروبيين ان تكون مدعومة من قبل جهات دولية وقوى خليجية اخرى ترى في تلك الخلافة البداية في تأسيس نظام اقليمي جديد في الشرق الاوسط وعلى اسس عرقية ودينية وطائفية .
ما يؤرق الاوروبيون هو علم “داعش” فوق كنيسة القديس بطرس بالفاتيكان أحد أكبر الأماكن الأكثر قدسية في الديانة المسيحية في كل العالم والذي ظهر على غلاف مجلة “دابق” الالكترونية حيث ظهر علم التكفيريين وهو يرفرف فوق رمز المسيحية ،والدعوات لشن حرب ضد الكنيسة الكاثوليكية وبغزو روما وتدمير جميع الصلبان فيها،وهو ما عبر عنه محمد العدناني، المتحدث باسم التنظيم، والذي يعد بفتح روما يوماً ما، حيث يقول العدناني في البيان: “سنفتح روما، ونكسر صلبانكم، ونسبي نساءكم، وإذا لم نصل لهذا العصر، فسيصل إليه أبناؤنا وأحفادنا”. وقد سبق ذلك عدد من الاعمال الاجرامية التي مارسها تنظيم “داعش” حيث نفذ حملة تفجيرات ممنهجة للكثير من الكنائس والعديد من الصروح الدينية وبالذات المسيحية في المناطق التي يسيطر عليها ،وهو يحاول جعل حربه التي يشنها على جميع الاديان والمكونات ذات صبغة دينية.
هناك اثمان كثيرة سيتحملها الغرب ومعه الولايات المتحدة من المخاطر الناتجة عن توظيف القوى التكفيرية المسلحة وتقوية حركاتها وفئاتها المختلفة بهدف محاربة منظومة المقاومة في المنطقة ،فماذا لو حصل فعل او استدارة باتجاه توظيف بعض هذه القوى لسلاحها وقدراتها وتنفيذ اعمال ارهابية ضد اهداف غربية ،وهل بات يدرك الغرب الاوروبي ان “داعش” وغيرها من التنظيمات الارهابية الاخرى غير قادرة على تغيير موازين القوى وان سقوط البديل التكفيري الاخير في يد الولايات المتحدة وسحقه في العراق وسوريا ولبنان يعني نهاية الاحادية الاميركية الى غير رجعة؟