فتح الاعلان الاطلسي للقضاء على الارهاب ابوابا واسعة للنقاش حول اولويات المنطقة بأكملها بعد ان بدا ان المراهنين على سقوط النظام في سوريا خسروا الرهان. فلم يستسلم المدافعون عن الشعب السوري ولم ينقسم السوريون على انفسهم، ولم تحقق الجماعات التكفيرية ايا من اهدافها التي اعلنت عنها عندما بدأت الغزوة الاميركية – الغربية – الخليجية على سوريا.
من هنا شعر الفريق الدولي الداعم ل “داعش” وجماعة “النصرة” وغيرها من الاشكال التكفيرية المسلحة بطعم الهزيمة الامر الذي انعكس بالطبع على الواقع السياسي الاقليمي بشكل خاص، بعد ان شعر ذلك المحور الذي يخطط لتجاوز القضية الفلسطينية وسحب سلاح المقاومة والاعداد لصفقة «سلام» مع الكيان الاسرائيلي، انه خسر على صعيدين اساسيين:
اولهما انه راهن على الحصان الخاسر، المتمثل بالجماعات التكفيرية المسلحة الذين يبررون حربهم الدموية بانها تهدف لتطويع ارادة السوريين المتمسكين بوحدتهم وعروبتهم في مواجهة القوى الظلامية والاستعمارية.
ثانيهما : ان ثقله السياسي تراجع كثيرا خصوصا امام شعوب العالم الذين ما فتئوا يسعون بعد “الربيع العربي” لاصلاح اوضاع بلادهم السياسية وان ذلك الاصلاح لن يتحقق الا باحداث تغيييرات جذرية في ايديولوجية انظمتها السياسية بعيدا عن كل اشكال التنكيل والقتل والتدمير .
ماذا بعد المؤتمر الدولي حول الامن والسلام في العراق الذي دعت اليه ادارة اوباما مستثنية منه كل من روسيا وايران وسوريا في ضوء الاضطراب الامني والسياسي والفكري في العالمين العربي والاسلامي ؟
هناك من يعتقد بأن الولايات المتحدة تريد “تصفية الحسابات” مع المختلفين معها، وان ادى ذلك الى تعديل على مستوى خارطة المنطقة ، وهي تسعى من خلال وسائل الاعلام الدولية والاقليمية المحسوبة عليها الترويج لسياسة الانقضاض على المقاومة وتنطلق على اساس ان وجود تلك المقاومة في كل من لبنان وفلسطين وتهديدها للكيان الاسرائيلي من اهم عناصرعدم استقرار المنطقة واستمرار الصراعات الداخلية! وخلال حرب غزة الاخيرة وقبلها عدوان تموز 2006 كان واضحا وجود هذه النيّة المبيّتة التي تتقاطع حكما مع المشروع التكفيري في المنطقة ففيما كانت طائرات العدو الاسرائيلي تدك غزة وتحيلها الى خراب، كانت المجموعات المتطرفة مثل “داعش” “والنصرة” تواصل مشوار القتل والذبح في شمال العراق وسوريا.
اما على المقلب الآخر فكان الاستقطاب السياسي على صعيد الانظمة العربية قد تواصل، واتضح للكثيرين وجود محورين:احدهما يتبنى «مشروع المقاومة» والآخر يتبنى خيار التطبيع مع “اسرائيل” والاعتراف بكيانها الغاصب وتوقيع اتفاقات سلام معها.
يمكن القول ان الازمة السورية ونتائجها اضعفت كثيرا مشاريع التفتيت والصراعات البينية والاطروحات الطائفية والمذهبية والعرقية، وللمرة الاولى بعد نهاية الحرب الباردة بين المعسكرين الاميركي من جهة والسوفياتي من جهة ثانية يشعر العالم بتراجع الاحادية الاميركية بعد الموقفين الروسي والصيني الداعمين لسوريا في مواجهة الهجمة الغربية عليها .
واذا كان انخراط انظمة خليجية في المشروع الاميركي الجديد للمنطقة سيؤدي الى استدراجهم للمشاريع التي تمزق صفوف الامة وفق خطوط التمايز الطائفي والمذهبي فليس معلوما بعد ما اذا كان مؤتمر الامن والسلام في العراق تظاهرة سياسية فحسب، ام تعبيرا عن الموقف الغربي لجهة تصعيد لغة الخطاب ضد المحور الروسي – الصيني – الايراني وذلك بحجة العبث بامن سوريا ولبنان والعراق تحت ستار مكافحة الارهاب سواء بالتحريض ضد هذا المثلث ام بغرس مجموعات متطرفة تعمل باسم الدين ولكنها موجهة لغير صالح الامة وبعيدا عن قضاياها المحورية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية.
ان من السابق لاوانه التنبؤ بمدى فشل مشروع “الامن والسلام” الاميركي ولكنه، من وجهة نظر المناوئين له ، ضرورة للتأثير على الرأي العام في العالمين العربي و الاسلامي لصياغة مشروع بديل وتوجيهه على مسار المقاومة والتحرير من الاحتلال والتحرر من الاستبداد، وستكشف الايام مدى واقعية هذا المشروع وآفاق نجاحه في عالم يعتقد الكثيرين انه مازال يخضع لهيمنة اميركا وحلفائها.