في الفرضيات، يصف البعض أن “داعش” شيطان دولي يجب على الجميع البحث عن أسباب ظهوره، وداوود أوغلو يرى “بأن السلاح الذي يملكه “داعش” هو سلاح أميركي متطوّر، والشبان الأتراك الذين ينضمون إليه هم ليسوا سوى نتيجة”.
ولكل قوة ودولة نصيب من الاستفادة من “داعش”، وهكذا قال ممتازير توركينيه في صحيفة “زمان” التركية: “وهو بلاء كبير يلف رأس تركيا، وبالأمس النصرة وقبلها القاعدة وطالبان، والكل أخطأ في سياسته تجاه سوريا، كما الغرب كذلك تركيا”.
وتحذيرات مراد يتكين في صحيفة “راديكال”، من أن تصبح تركيا المقر الجديد لقيادة “الإخوان المسلمين” أصبحت حقيقة، وهذه مشكلة خطيرة كما قال، لأن تركيا أصبحت حاضنة للإرهاب مثل “داعش” و”النصرة” وأخواتها، وهذا سيحمل مخاطر جدية على علاقات تركيا الدولية خصوصاً في هذه اللحظة من التطورات.
والسؤال عن حقيقة تورّط تركيا في دعم الإرهاب، يأتي من باب التأكيد، والأتراك يتذرّعون بوجود آلاف المقاتلين الأتراك في صفوف “داعش” كأمر واقع أصبح يهدّد الأمن القومي التركي في حال انقلب النظام التركي عليه وتخلّى عنه، والسياسات التركية الخاطئة تجاه المنطقة هي السبب الأساسي، وأبعاد ذلك معروفة: وجود “داعش” ينتشر على امتداد قسم كبير من الحدود السورية مع تركيا، والنظام التركي يتعامل مع “داعش” في عمليات نهب النفط العراقي والسوري الذي يباع عبر صهاريج الى تركيا وغيرها.
والسؤال كيف سيتمكّن الإئتلاف المفترض من تجفيف الموارد المالية لـ “داعش”؟
والجواب يأتي من صحيفة “وول ستريت جورنال” التي تصف تركيا بأنها الحليف الذي لم يعد كذلك في أنقرة، وحان الوقت لإنشاء قاعدة بديلة عن “إينغرليك” في المنطقة، وبالتأكيد في “أربيل” ويتعلّق الأمر باستراتيجية أميركية جديدة في المنطقة، أي أن “داعش” يأخذ كل السياسات الخارجية التركية رهينة لديه كما قال الباحث “باسكين أوران”.
والسؤال أيضاً ما هي الفوائد التي تجنيها تركيا في هذه الحالة؟ وخاصة عندما لا تشارك في الحرب “المسرحية” ضد “داعش”؟
بالتأكيد هي “تركيا” تعي حقيقة المخطط الأميركي الذي يستهدف المنطقة وتحاول تعظيم الأرباح وتقليل الخسائر الى أدنى حد ممكن، وتبحث عن مصالح رخيصة وهي ترغب بحصة وازنة من الشراكة مع الجانب الأميركي وعملياً يتمّ “استهلاك” داعش من قبل الجانب الأميركي تماماً كما فعلت في السابق في أفغانستان مع القاعدة وطالبان، بينما ترى تركيا بأن محاربة “داعش” خسارة لها وهي الحاضنة والمستفيد المباشر، ويصب في مصلحة سوريا أيضاً، ومحاربة “داعش” من قبل الأتراك ستعطي الشرعية لحزب العمال الكردستاني الذي يحارب “داعش”، وتركيا تعي أيضاً بأن ما يجري هو مجرد “مسرحية” وهي تبغي تحقيق فوائد عاجلة ولا تنتظر شيئاً على المدى الأبعد، وهي تعي أن دورها في المنطقة يتراجع لصالح الجانب الأميركي الذي حضر الى المنطقة، ودور الوكيل التركي مسألة وقت، فلماذا إذاً الدخول في هذا المعترك ودفع الثمن والخروج بخسارة مؤكّدة.
بالتأكيد تركيا اليوم تحاول المساومة مع الأميركي من خلال احتضانها “الإخوان المسلمين” لعلّها تلعب ورقتها الأخيرة، وهي العامل الوحيد المتبقي لتغطية السياسات التركية الفاشلة في المنطقة، ولأن أحلام الإمبراطورية الموعودة لن تتحقق في ظل الصراع في المنطقة الذي بدأ يأخذ أبعاداً أكبر، وبسبب صمود محور المقاومة الذي يواجه المشروع الأميركي في المنطقة وهو مصمم على تحقيق النصر النهائي.
وإذا كانت تركيا تراهن على دور ما في سوريا والعراق، فهذا أمر أصبح من الماضي، وهي لا تقرأ الواقع كما هو، وعندما يفشل “الأصيل” فلا مكان لدور الوكيل.