من الناحية النظرية، قررت الولايات المتحدة تشكيل “تحالف دولي نواته الدول الغربية ومعظم الدول العربية” والهدف المعلن ضرب الدولة الإسلامية “داعش”.
خطة التحرّك التي سيعلنها الرئيس الأميركي باراك أوباما، كشفت عنها صحيفة “نيويورك تايمز” وهي على ثلاث مراحل وستستمر ثلاث سنوات، “ولماذ كل هذه المدة وما هي الأهداف؟”.
بدأت المرحلة الأولى في 7 آب الماضي من خلال توجيه 145 ضربة جوية ضد “داعش” في العراق، وتتمثّل المرحلة الثانية في تشكيل الحكومة العراقية الجديدة، وفتح الباب أمام تجهيز وتدريب أفعل للجيش العراقي والأكراد.
أما المرحلة الثالثة وحسب الخطة الأميركية، تشمل ضرب مواقع “داعش” في سوريا وهو أمر تمّ الإشارة إليه بأنه سيستمر 36 شهراً أي بعد مغادرة أوباما الحكم.
يأتي هذا بالتزامن مع الزيارة التي يقوم بها الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دي ميستورا الى دمشق ضمن جولة تشمل عدد من الدول العربية، وقال دبلوماسيون في الأمم المتحدة، إن لجنة الخبراء المشكّلة بموجب قرار مجلس الأمن 2170 المتعلقة بالعقوبات على “داعش” و”جبهة النصرة” ستزور أيضاً دمشق وبغداد وتسعى لجمع المعلومات عن عمل التنظيمات المتطرفة.
وما بين الوقائع والوسائل المتاحة، يدفعنا هذا الى مزيد من التساؤلات المشروعة، الوطن العربي بأسره يتعرّض الى تحديات غير مسبوقة تحاول إعادته الى عصور الظلام، وخاصة في ظل انعدام الأفق لدى المواطن العربي وهو يرى تراكم السلبيات وفقدان أي مساعي جادة لوقف حالة التدهور السائدة في عالمنا العربي، ومؤشرات ذلك التخبط الذي يجري في ترتيب سلم الأولويات على المستويات الوطنية والقومية، وانعدام الحد الأدنى من التضامن العربي أو الأمن القومي العربي، ومع تزايد خطر الإرهاب باسم الدين، وهذا أكبر تحدٍّ يواجه جميع عواصم منطقتنا العربية، وأن ظهور تنظيم “داعش” وتداعيات ما يجري، ربما تدفع الى تغيير التركيبة الإقليمية الراهنة بما يساهم في الحفاظ على الأوطان وحماية الأرواح والممتلكات، مثل هذا الافتراض هو أمر واقعي تفرضه الضرورة التي تدفع الى تغيير سلم الأولويات وعلى حساب القضايا الأخرى سواء أكانت اجتماعية أو اقتصادية، والمهم مواجهة الكارثة الإنسانية.
لكن السؤال الأهم الذي يتكرّر من أين جاءت “داعش” بكل هذه الإمكانيات المادية وترسانة الأسلحة الحديثة والقدرة على التدمير والتخريب والخدمات “اللوجستية” التي حصلت عليها واستقطاب عناصر من الدول العربية والغربية ومختلف الجنسيات لينخرطوا جميعاً في سلك “الجريمة المنظمة” وأصبحوا جزءًا من عدوان ممنهج ضد الإنسانية وخاصة استهداف المشرق العربي، وهنا أيضاً نسأل مَن يستثمر كل هذه الأحداث والأزمات ولمصلحة مَن؟
ومن الناحية العملية، إن الإعلان عن قيام تحالف دولي من قبل الرئيس الأميركي باراك أوباما لمواجهة “داعش”، اقتصر على دول معينة هي متحالفة أصلاً وترتبط بسياسات معينة ولها أجنداتها الإقليمية والدولية التي تختلف عن أجندات أخرى مغايرة إقليمياً ودولياً، وهذا يعني أن مواجهة “داعش” عسكرياً هو أمر دعائي أكثر منه عملي ومثمر، وما الذي يعنيه استثناء دول مثل روسيا وإيران وسوريا من محاربة هذا التنظيم ضمن صفوف تحالف دولي، أليس من الأجدى، أن يكون محاربة “داعش” كأولوية.
والمفارقة أيضاً، في هذا التوقيت بالذات وبالتزامن مع تشكيل التحالف الدولي لمحاربة “داعش”، فرضت واشنطن والاتحاد الأوروبي عقوبات جديدة على روسيا بسبب أزمة أوكرانيا وعقوبات جديدة على إيران حول ملفها النووي.
وهذا يصلنا الى نتيجة مؤكدة، أن الدول الغربية ومعها الولايات المتحدة تعمل على إدارة الأزمة وعينها على تحقيق مكاسب ذاتية، ولا تريد تحقيق أي استقرار في المنطقة ولا إيجاد حل للقضايا والملفات الساخنة، لأنها المستفيد من استمرار الحالة الراهنة والمستفيد الأكبر “إسرائيل”.
ومن شأن تحالف الدول الأوروبية والولايات المتحدة مع الدول العربية تحت غطاء الحرب على “داعش” أن يؤمن لها مزيداً من القواعد العسكرية ومناطق نفوذ جديدة ومزيداً من الأموال والمعاهدات الأمنية، إنه استعمار جديد وبكل المقاييس العسكرية والأمنية والاقتصادية؟.