إذا حاولنا أن نقيّم بلغة العقل والمنطق ما وصلت إليه حالة العالم العربي من ضعف وهوان وأزمات متتالية باتت تفتك بكل ما هو في صالح البلاد والعباد، لأمكن لنا أن نحدّد بعض العوامل الأساسية التي ساهمت في إحداث تراكمات سلبية، أصبحت تأخذ أبعاداً خطيرة وتهدّد الإنسان العربي في حاضره ومستقبل أجياله.
الإنسان مصدر كل قوة وصانع المعجزات في عهد الثورة العلمية والتقنيات المتقدمة، والبناء الحقيقي يعني أن يتمّ بناء الإنسان الواعي القادر على النهوض بأعباء المسؤولية الملقاة على عاتقه لأنه صاحب المصلحة الحقيقية في عملية البناء والتراكمات الإيجابية التي ستنعكس على كل نواحي الحياة.
التخلف والتجزئة، طرفا كل ضعف وهوان وتفكك، التخلف ليس قدراً محتوماً لكنه مرتبط بمفاعيل أخرى تعمل على ترسيخه وتعميمه، أولئك هم المستفيدون من هذه الحالة، عمليات النهب الاستعماري لثروات الأمة وبأرخص التكاليف التي يمكن أن يتصورها العقل والمنطق، كيف تستباح ثروات العالم العربي؟ الأمر لا يتعلق بصناعة المفاهيم وهي واضحة كل الوضوح، مَن يرتضي لنفسه أن يقبل بمثل هذا الواقع من قبل معظم النظام الرسمي العربي، كيف لحاكم أن يقبل رؤية شعبه محتاج لأبسط ضرورات الحياة وهو يقدّم الهبات والتبرعات ويغدق مئات المليارات من الدولارات في خزائن تلك الدول التي ساهمت وماتزال تساهم في الإبقاء على تخلّف بلاده ومنعها من القيام بأي عملية نهوض وتمكينها من الاستفادة من ثرواتها الطبيعية التي أنعم الله عليها وخصّها بالكثير من المزايا التي لا تتوفر في مكان آخر.
التخلّف يعني امتلاك الأشياء وعدم القدرة على الاستفادة منها، وأن تملك المال والثروات التي لا تحصى وشعبك جائع ودمه مهدور بالأمراض والفتن وتخدم الأجندات الخارجية الهدامة وهي المستفيد الوحيد من الحالة الراهنة والآتي أعظم.
وأما عن التجزئة فحدث ولا حرج، مَن الذي يعمل على تمزيق المنطقة من شعب الى شعوب متناقضة ومتقاتلة، مَن يعمل على ترسيخ الطائفية أو المذهبية ووضعها كأولوية ونحن جميعاً نحصد الطعنات والدمار والوباء، والبعض يعمل على تأجيج الفتنة، هل يعلم المتصرّف بكل الأعمال الهدامة كيف سيكون مآل الأمور إذا استمرت الحالة الراهنة، وهل يمكن لعاقل أن يمنع عن نفسه كل أسباب القوة ليعيش بكرامة؟ مَن يقبل الهوان والخسران لأبناء أمته؟
والسؤال مَن هو المستفيد من حالة التخلف والتجزئة ويعمل على تمزيق وحدة الأرض والشعب وتعاون الناس جميعاً في هذه المنطقة لما فيه خيرها واستقرارها وتحقيق الحد الأدنى من احتياجاتها الضرورية والأساسية وأبسط حقوقها.
والسؤال أيضاً، هل هناك مَن يسمع ويرى أولئك الذين انغمسوا في اللعبة الاستعمارية، ما حلّ بالشعب الفلسطيني من نكبات متتالية وما يتعرّض له كل أبناء أمتنا في كل أقاليمهم من أخطار وكوارث بفعل ما قادت إليه بعض السياسات التي استفاد منها أعداء أمتنا.
وهل نقول، إن فاقد الشيء لا يعطيه، وهل فقدان البصر يعني فقدان البصيرة، أما فقدان الإحساس بكل ما يجري نقول وللأسف “عظم الله أجركم”؟.