العدوان الإسرائيلي الذي استهدف غزة خلال فترة 6 تموز الى 26 آب 2014 لم يأتِ من فراغ، وهو امتداد للحرب الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني واستهداف لوجوده، ومحاولة لتصفية قضيته، وفي ظروف إقليمية غاية في التعقيد، وفي ظل هجمة مخططة ومدروسة لإقتلاع روح المقاومة من جسد الأمة وحسم الصراع الدائر لمصلحة القوى الاستعمارية وأدواتها الإقليمية والمحلية في أكثر من بقعة في عالمنا العربي.
لكن حسابات العدو سقطت أمام صمود المقاومة في غزة، ولم تفلح الخسائر التي حاول العدو تكبيرها في كسر إرادة المقاومة لدى أبناء الشعب الفلسطيني في غزة، وسطّر المقاومون أروع صفحات البطولة والصمود وضربوا مثالاً في قدرتهم وبسالتهم واستعدادهم وإرادتهم لتحقيق الإنتصار.
51 يوماً سيسجلها التاريخ بأحرف من نور، تروي صمود شعب قرر قهر إرادة المحتل وخطا في اتجاه مسار التحرير ليصنع فجراً جديداً على طريق تحرير الأرض والإنسان.
المطلوب اليوم، كيف يتحوّل هذا الإنجاز الكبير وهذا الإنتصار العظيم الى استثمار يصب في مصلحة القضية الفلسطينية على طريق إنهاء الاحتلال لأن الهدف النهائي لشعبنا الفلسطيني هو قبر الاحتلال الى غير رجعة.
الفرصة سانحة أكثر من ذي قبل في ظل ملحمة الصمود والمقاومة الفلسطينية التي استطاعت ضرب نظرية الأمن القومي الإسرائيلي ووقف التوحش والغطرسة، والمطلوب المحافظة على هذا الإنجاز والامتناع عن تقديم خشبة الخلاص الى العدو من خلال العودة الى مسار المفاوضات السابقة برعاية أميركية، والمطلوب اليوم، تجميع أوراق القوة التي تعمّدت بدماء الشهداء والجرحى.
العالم أجمع شاهد جرائم العدو والمطلوب معاقبة العدو على جرائمه وعدم الدخول في عملية سياسية خادعة، المطلوب مراكمة الإنجازات وتشديد النضال وجعل الاحتلال مكلفاً للعدو، والعمل على ألا ينعم العدو بالأمن والاقتصاد، ومطلوب أيضاً إرساء استراتيجيات جديدة على ضوء انتصار غزة ودروسها.
إن أي مبادرة فاعلة في ما بعد انتصار غزة، يجب ألا تعيد إنتاج ذات السياسات التي راهنت على الراعي الأميركي، أن وضع القضية الفلسطينية تحت رحمة الأمم المتحدة المشلولة بفعل الفيتو الأميركي الذي لن يأتي بشيء لصالح القضية الفلسطينية، وفي ظل التواطؤ الدولي وخاصة الأوروبي مع الاحتلال الإسرائيلي وستظل الحلول المطروحة عبارة عن مسكنات تقدمها الدول المانحة بينما تهوّد الأرض وتزداد معاناة الشعب الفلسطيني.
إن أي عودة الى المفاوضات مع العدو الصهيوني وعلى “مبدأ تبادل الأراضي” سيساهم في شرعنة الاستيطان دون تقديم أي شيء لصالح الشعب الفلسطيني وسيضرب مبدأ عدم جواز احتلال الأرض بالقوة ومبدأ وحدة أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة، وسيضرب وحدة الموقف الفلسطيني وسيجر الى جولة جديدة من المفاوضات التي باتت مجرد سراب.
وبعد أن عادت القضية الفلسطينية الى مكانها الطبيعي كحركة تحرر وطني ولقيت الدعم والتضامن الدولي الذي وصل الى مستويات قياسية، من الخاسرة القاتلة، الرهان من جديد على علاج تمّ تجربته أكثر من عشرين سنة من المفاوضات.
والمطلوب بعد معركة غزة أن تتعزز ثقافة المقاومة وتغيير المسار السياسي السابق.
إنتصار المقاومة في غزة هيّأ الظروف المثالية لوحدة القوى السياسية برؤية جديدة تضع مصلحة الشعب الفلسطيني فوق كل اعتبار وهو الذي قدّم التضحيات، ودرس غزة يلهمنا الى مواصلة النضال، وهو درس لكل مَن حاول أن يساوم على القضية الفلسطينية من النظام الرسمي العربي والحديث عن الاعتدال والمساومة لا يخلو من الارتهان لمشيئة الأعداء.
إنتصرت غزة وانتصر الشعب الفلسطيني وانتصر محور المقاومة في أمتنا الذي قدّم كل ما يلزم من إعداد ودعم ومواقف ستظل نبراساً لأجيالنا القادمة كي يحملوا الأمانة وليتذكروا أن زمن الإنتصارات قد بدأ في فلسطين وفي لبنان العظيم المقاوم.