تتزاحم في منطقتنا العربية جملة من الأحداث والمخططات التي تحاول أن تخلق واقعاً جديداً يضع المنطقة بأكملها تحت دائرة النفوذ الاستعماري الأميركي وتوابعه في دول الغرب الاستعماري إضافة الى الكيان الصهيوني، القاعدة الاستعمارية المقامة على أرض فلسطين العربية، وما يجري هو حلقة جديدة من حلقات الإرهاب الدولي الذي تمارسه الدول الاستعمارية الطامعة للسيطرة على المنطقة بأسرها.
بدأ الإرهاب يضرب المنطقة منذ أن أقيمت “إسرائيل” بقوة السلاح والإرهاب، وكانت المقدمة الأولى لكل إرهاب لاحق استهدف المنطقة، ومع تغيّر شكل الإرهاب وأدواته، كان الاجتياح الأميركي للعراق عام 2003 وذريعته البحث عن أسلحة الدمار الشامل وهدف حماية “إسرائيل” وخلط الأوراق في المنطقة والسيطرة عليها وعلى ثرواتها النفطية والتربع على أكبر مخزون نفطي في العالم، وكذلك هدف استدراج الإرهاب الى المنطقة بعد أن كان أداة أميركية في أفغانستان ومن ثمّ استدراج الإرهابيين الأميركيين والبريطانيين ومن العالم أجمع وجعل المنطقة مجرد محرقة وقودها على حساب كل ما هو محلي وتحقيق هدف إبعاد الإرهاب عن المدن الأميركية، مثل هذه السياسة الأميركية، ذهب ضحيتها أكثر من مليون عراقي.
وتمّ استدراج الإرهابيين الى المنطقة من جديد بعد أحداث ما سمي بالربيع العربي، وكان الهدف أيضاً نقل أعباء وكلفة مقارعة الإرهابيين على حساب السوريين والعراقيين واللبنانيين والفلسطينيين مرة أخرى وهذا يصب في مصلحة “إسرائيل”.
من هنا يمكن القول، إنها لعبة المبالغة والتضليل أن يلجأ الجانب الأميركي وبعض الدول الأوروبية – المتأمركة الى الحديث عن محاربة الإرهاب وخاصة استراتيجية محاربة “داعش” لأن هذه هي صنيعة الحلف الاستعماري وأدواته في المنطقة.
اليوم تجري عملية تسويق جديدة ومبرمجة لمحاربة الإرهاب على أن تنطلق من العراق وضرب “داعش” وبالاعتماد على “الصحوات” وعبر تسليح (كردستان العراق)، وكل هذا يجري تحت غطاء دفع العملية السياسية العراقية، والمقصود هنا، أن “الأسرة الدولية” قررت شن حرب جديدة في العراق إنما ليس بجنود أميركيين وبريطانيين هذه المرة وإنما عبر جهود محلية عليها أن تدفع الثمن مقابل دعم معيّن وتحت عنوان عملية سياسية جديدة تعيد لها ما تبغي “من نفوذ” وبعض المزايا.
الرئيس الأميركي تحدث لـ “صحيفة نيويورك تايمز”، عن استعداده ليكون “السلاح الجوي العراقي” والسؤال “ما هذا الكرم والسخاء العظيم؟”، ومن خلال لعبة ازدواجية المعايير الأميركية قال الرئيس أوباما: “لم يبدأ القصف الجوي ضد داعش باكراً بوجود رئيس الحكومة العراقية “نوري المالكي” لكان ذلك شجّعه على التعنّت ورفض الحلول الوسط، والاعتقاد بأن الولايات المتحدة وراءه”، أي أن أوباما أجل “المكرمة الثانية” ليجري تسويقها واستثمارها واللعب على التناقضات المحلية وتحت ستار الحرب على الإرهاب.
لم يتحدّث الرئيس أوباما عن الهرولة الأميركية والانسحاب من العراق بعد أن نظّم العملية السياسية كما يلائم مصالح بلاده، واليوم ينقلب على ما نظّمه لتبدأ عملية سياسية جديدة عنوانها الحرب على الإرهاب وتجنيد أدوات محلية كوقود لتلك الحرب وتحت ذرائع التفهم الأميركي لمطالب فئة معينة من العراقيين وطموحاتهم المشروعة التي أثار عدم نيلهم لها مشاكل كبيرة.
علينا ألا ننسى، أن السياسة الأميركية في المنطقة هي التي ساهمت في إنماء الإرهاب وفي صعود داعش، واستراتيجية تصدير الإرهابيين الأميركيين وغيرهم لم تخلق من فراغ، واليوم يعمل الجانب الأميركي على تجميع الإرهابيين في مكان معيّن كما جمعهم الرئيس جورج بوش في العراق ونجح في إبعادهم عن المدن الأميركية.
والسؤال، هل استراتيجية الحرب على الإرهاب يتم تفصيلها وفق معطيات أميركية وبما يخدم السياسة والمصالح الأميركية؟
نعم هي كذلك بالتأكيد، إذاً على دول المنطقة وشعوبها أن تعي أن العد العكسي لحرب جديدة قد بدأ والإرهاب يطال المنطقة بأسرها، ونحن مَن تعلم من التجارب، أن الاستراتيجية الأميركية لا تحمل أبعاداً أخلاقية وهي تعني استخدام دماء السوريين والعراقيين وغيرهم كثمن لحماية المدن الأميركية والأوروبية من الإرهاب وهو يترافق مع الإرهاب الصهيوني الذي يستهدف غزة ومحاولة تصفية قضية فلسطين.
الإرهاب واحد والصناعة أميركية وصهيونية بامتياز، والاستراتيجية الأميركية ورغم ذلك تجد مَن يسوقها تحت ذرائع شتى بدلاً من البحث عن وحدة الصف ضمن رؤية بعيدة المدى تضع مصالح دول المنطقة وشعوبها في أولوياتها وغايتها، إنه السبيل الأجدى لمحاربة الإرهاب.