يتعرّض النظام الرسمي العربي الى اختبارات وتحديات مازالت ماثلة، هذا ليس استهدافاً فقط من أجل تحقيق غايات محددة، هو عملية إعادة فك وتركيب من جديد، النظام الرسمي العربي، وفي معظمه تمّ استهلاكه، البعض منه فضّل الاستسلام مبكراً وسلّم أمره منذ زمن بعيد والمهم لديه الحفاظ على بعض المزايا الشكلية والاحتفاظ بالألقاب الفضفاضة والتّغني بأمجاد من صنع الخيال وهو فقد الحيلة والقدرة على المبادرة وأصبح منصاعاً لمشيئة أعداء أمتنا، والتطبيع مع الكيان الصهيوني والاصطفاف ضمن المشروع الذي تمّ إعداده للمنطقة ودخل حيّز التنفيذ من بداية عام 2011 ومازال الصراع بشأنه متواصلاً.
وليس صدفة ما يجري من أحداث جسام وحفلات القتل المتعمّد والمبرمج التي تنفّذها عصابات الدمار وأذرع وأدوات المشروع الذي يستهدف الأمة، ومهما تعددت التسميات فالمشروع واحد، وهو يستهدف المواطن العربي في حاضره ومستقبله، وأدوات الجريمة المنظمة مازالت مستمرة في انخراطها الدموي واستهداف البلاد والعباد وتشويه صورة الأديان والاعتداء على المقدسات المسيحية والإسلامية والأهداف واحدة: ضرب بنية المجتمع العربي وتصفية قضاياه.
لا فرق بين ما يقوم به “الدواعش” من جرائم في الموصل والرقة ودير الزور وما تقوم به العصابات الصهيونية من قتل وتدمير في غزة تحت سمع وبصر ما يسمى المجتمع الدولي، وحالة تواطؤ رسمي عربي غير مسبوقة، ورغم ذلك يتشبّث الفلسطيني بأرضه وتخوض المقاومة ملاحم بطولية فوق تراب الوطن.
المأساة اليوم واحدة، المواطن العربي يدفع الفاتورة من دمه وأطفاله وأرضه وعذاباته، وبعض حكام العرب يقدّمون نفط العرب وغازه وثرواته الى الدول نفسها التي تساهم في الجريمة الكبرى بشكل مباشر أو غير مباشر عبر تنظيم أدوات القتل والتدمير وتوجيهها لتستمر حالة الضياع وإضعاف الدول القائمة وتفتيت البنية الاجتماعية لجميع المكونات، وهم بذلك يحرقون أوطاننا ويمزقونها إرباً لتبقى “إسرائيل”، هذا الكيان الاستيطاني الاستعماري العنصري محمية والنموذج الذي يسوّق في عالمنا العربي، يريدون إعادة رسم خريطة المنطقة من جديد وزيادة عمليات النهب الاستعماري وإعادة ترسيم حدود الدول الجديدة التي ستقام وفق ما هو مخطط في مشاريعهم.
اليوم أصبحت مأساة المواطن العربي واحدة في مختلف أقطاره وهو يواجه أعتى الهجمات الهمجية للسيطرة على مقدراته وتطلعاته على أيدي القوى الظلامية التي لا تجيد سوى انتهاك الحرمات ونفي كل الحقوق وتضع نفسها في خدمة الأجندات الاستعمارية.
الصمت الدولي واللامبالاة العربية واضحة للعيان أمام الوقائع على الأرض في قطاع غزة، وما يجري هناك من صراع دائر يمثّل امتداداً للمشهد العربي برمته، صراع الإرادات الإقليمية والدولية ينعكس سلباً على النزاعات المحلية وهذه تحتشد حول إيديولوجيات وعصبيات طائفية ومذهبية وانتماءات عرقية وهي ظواهر يعاني منها المجتمع العربي وهو ما يفتح أبواب الصراعات والتدخلات الخارجية ويشكّل بيئة حاضنة لكل أدوات القتل والتدمير الممنهج.
التغيّرات التي تحصل وتداعياتها لا تصيب القضية الفلسطينية وحدها وهي قلب الصراع في المنطقة، ولكنها تصيب بنية المجتمع العربي بأسره، وهي الحلقة الأكبر والتي من المفترض أن تكون الحامية والضامنة لإعادة الحق لأصحابه وليست تلك التي يراهن عليها العدو لمزيد من التطبيع وصولاً الى تصفية كل القضايا العربية خدمة لإرضاء الأجندات التي جاءت بها المشاريع الاستعمارية الى المنطقة.
والسؤال: هل تستمر هذه الحالة؟ والى متى؟ وما هو دور المواطن العربي في وضع حد للتداعيات السلبية؟ وما هو المطلوب للإنتصار في معركة أقل ما يقال عنها إنها أصبحت صراع وجود؟