لم تكن الغزوة “الداعشية” على عرسال مفاجئة للعديد من اللبنانيين . فهذه البلدة اللبنانية المقاومة والواقعة على الحدود اللبنانية – السورية دخلت في لهيب الازمة السورية منذ بداياتها . وساهم إهمال رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي في تحولها إلى رهان استراتيجي عند الجماعات التكفيرية بعد تحرير بلدة القلمون السوريةعلى ايدي الجيش العربي السوري ومقاتلي المقاومة . فقد احتضنت هذه البلدة الفقيرة الالاف من النازحين السوريين ومن بينهم خرج عدد كبير من المسلحين المتطرفين الذين اختطفوا البلدة وتحصنوا فيها ومارسوا بحق اهلها ابشع انواع الجرائم والقتل والتنكيل والكفر الى أن فاجأوا الجيش اللبناني بالهجوم عليه.
لا شك بأن الهجوم “الداعشي” كان مدبراً ومخططاً له منذ وقت طويل، ولم يكن رداً على توقيف الجيش للارهابي عماد أحمد جمعة، أحد قادة الجماعات التكفيرية في عرسال بدليل التنظيم والسرعة التي تحرك بها التكفيريون وطوقوا بها فصيلة الدرك والانقضاض على المواقع العسكرية واختطاف عسكريين تنفيذا لخطة اقامة “إمارة إسلامية” في عرسال مرشحة للتوسع الى مناطق اخرى حسب ما كشف عنه “جمعة” اثر توقيفه.
خطورة هذه الغزوة “الداعشية” ليست عسكرية فحسب بل تكمن في الفتنة الداخلية التي كان يمكن أن تتسبب بها نظراً لحساسية الوضع العرسالي وللتوترات الفتنوية المتنقلة في لبنان في غياب لدولة تعاني ما تعانيه من ضعف وعجز عن انتخاب رئيس للجمهورية منذ ثمانين يوماً . وعدم قدرتها على انتخاب مجلس نيابي جديد .
ففي بداية المعركة العرسالية صدرت توقعات لنواب طرابلسيين بأن المعركة ستكون طويلة وقد تمتد الى مناطق أخرى منوّهين بالكمين الذي نفذه مسلحون ملثمون لعناصر من الجيش في طرابلس والتوتر الذي عاد إلى هذه المدينة التي، كما عرسال، دخلت في الأزمة السورية منذ بدايتها . وتعليقاً على الهجوم “الداعشي” صدرت تصريحات عن الثلاثي “كبارة” “الضاهر” و”المرعبي” المحسوبين على التيار التكفيري في لبنان لم تندد بالإرهاب التكفيري بقدر اتهامها لحزب الله بالتسبب بما جرى بسبب تدخله في الحرب السورية . وهذا ما أكده فؤاد السنيورة الذي وإن أعلن دعم كتلة المستقبل النيابية للقوى العسكرية والاجهزة الأمنية إلا أنه شدد على أن مشاركة حزب الله في سوريا إلى جانب النظام هي التي دفعت المسلحين إلى الرد عليه في لبنان!
كان من الممكن لهذا الجدال أن يوحي بأن تيار المستقبل بات مؤيدا “لداعش” لولا تنبه سعد الحريري ومسارعته من مكان إقامته في جدة، إلى إعلان الدعم الكامل وغير المشروط للجيش اللبناني في مواجهة التكفيريين القتلة . وبعدها بساعات كشف الحريري عن مساعدة سعودية بقيمة مليار دولار لدعم هذا الجيش . هذا الموقف السعودي رأى فيه البعض بداية لمعركة تحضر لها الرياض بما يخدم التمدد “الداعشي” في لبنان ،وربما يؤشر الى تقارب سعودي – اميركي في هذا المجال بعدما نقل عن كتاب هيلاري كلينتون “خيارات صعبة” حول دور المخابرات الأمريكية والبريطانية و”الإسرائيلية” في تشكيل تنظيم “داعش” والدور المطلوب ان يلعبه في المنطقة ، مما ساهم في تكوين قناعة عامة في لبنان بأن “غزوة عرسال” الداعشية ليست إلا جزءاً من مؤامرة خليجية – اميركية تحاك للبنان والمنطقة .
وهذه القناعة ساهمت عودة الحريري في ترسيخها حيث توقعت مصادر ان تكون هناك مطالبة حريرية بتوسيع دائرة القرار ،1701 الصادر عن مجلس الأمن في العام ،2006 ليشمل الحدود بين لبنان وسوريا بهدف منع تنقل المسلحين من الجانبين .
المطلوب اليوم أن تثار قضية تنظيم وجود النازحين السوريين الذين يتلطى خلفهم عدد كبير من المسلحين التكفيريين والذين لا قدرة للدولة اللبنانية على الاستمرار في تحمل الأعباء الناجمة عن وضع ليس بالطبيعي .
الدرس الأهم الذي كشفت عنه معركة عرسال هو وجود بيئة حاضنة للتكفيريين وداعمة للاعمال الارهابية بدليل القوة العسكرية “للدواعش” وتحولهم إلى قوة احتلال للبلدة عرسال التي كشفت، في تطور خطير ، عن وجود تكفيري بات يتغلغل في مناطق لبنانية كثيرة مما يعيد للاذهان صورة حرب نهر البارد في العام ،2007 ضد عصابة شاكر العبسي رغم اختلاف الظروف والتفاصيل والمواصفات والمواقف والظروف المحلية والإقليمية.