في أهداف الحرب العدوانية الإسرائيلية على قطاع غزة، التي بدأت يوم 6 تموز الجاري، يسعى العدو الصهيوني الى إعادة فصل الضفة الغربية عن قطاع غزة، وتدمير حكومة التوافق الوطني الفلسطيني التي لم تبدأ أعمالها بعد، والهدف وأد فرصة تحقيق نوع من المصالحة الفلسطينية في مسعى التوحد حول رؤية واحدة لإعادة صياغة برنامج النضال الوطني الفلسطيني على أسس جديدة، تعيد الإعتبار لخيار المقاومة كطريق أساسي لتحرير الأرض وإستعادة الحقوق بعيداً عن أوهام الحلول التفاوضية التي ثبت فشلها على مدى أكثر من عشرين عاماً والتي أوصلت القضية الفلسطينية الى وضع صعب في ظل استمرار التوسع الإستيطاني الصهيوني في الأرض الفلسطينية واستمرار العدوان الغاشم بأبشع صوره.
ويلقى العدو الصهيوني دعماً أميركياً واضحاً وغطاءً من أجل تحقيق أهداف سياسية واستراتيجية تتجاوز الذرائع التي تبجح بها العدو لشن هجومه على قطاع غزة، وبعد جولة الحقد الصهيوني وحرب التدمير الممنهجة التي تشن ضد قطاع غزة، سيحاول العدو العودة لنهج الإغتيالات والتصفيات.
ومن ناحية أخرى تعاني الضفة الغربية من أوضاع مأساوية صعبة للغاية، بسبب استمرار الإحتلال وما يقوم به قطعان المستوطنين من اعتداءات يومية تستهتر بحياة الناس ومحاولة إذلالهم وتعذيبهم والإعتداء على حقولهم ومزارعهم وحرقهم واعتقالهم وقتلهم بدم بارد، وفي مشاهد تكرر، هذه الأمور أصبحت تتطلب إتخاذ مواقف وخيارات جديدة تتلائم مع طبيعة الصراع الدائر وبعيداً عن العملية التفاوضية التي أصبحت مكشوفة وغير قابلة للتسويق مرة أخرى على حساب دم الفلسطينيين في غزة.
والخيارات الوطنية الفلسطينية الجديدة، لا بد أن تأخذ في حساباتها الإنتقال الى مرحلة جديدة من وضوح الرؤية والهدف والتوقف عند الأخطاء الاستراتيجة التي ارتكبت والرهانات عديمة الجدوى، والبحث في سبل إنضاح خيارات وبدائل فلسطينية جديدة تؤدي الى تصحيح مسارات الواقع الحالي في الداخل الفلسطيني عن طريق إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية على أسس كفاحية جديدة.
لم يعد هناك من مكان لكل التصريحات التي صدرت والتي حمّلت المقاومة الفلسطينية مسؤولية ما حدث في غزة، ومن العيب أن يقول البعض، “إن المقاومة هي من استفزّ العدو للقيام بحربه الحالية”، وهم بذلك يخدمون الدعاية الصهيونية، ونذكر هنا بأن العدو هو الذي جنّ جنونه، عندما بدأت عملية المصالحة الفلسطينية وحتى في حدودها الأولية، وتشكيل حكومة توافقية، والعدو هو مَن هدّد بدفع الأثمان، وهذا لا يعني أن الحكومة الفلسطينية كانت ستنجز كل الحقوق ولكنها بداية لإنهاء حالة الإنقسام السائدة التي إستفادت منها “إسرائيل” خلال السنوات الماضية، بسبب التشرذم الفلسطيني وتذرعت بأن عدم الوصول الى السلام مع السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية سببه عدم سيطرة السلطة على قطاع غزة، وسارع العدو لاستثمار مقتل ثلاثة من مستوطنيه في الضفة لشن هجومه على قطاع غزة ومن هذه النقطة بالذات تعمل الاستراتيجية الإسرائلية لإعادة الإنقسام بالقوة هذه المرة.
ما يحصل اليوم من عدوان صهيوني في قطاع غزة لم يأتِ من فراغ، والعدو الذي تمتّع بفوائد التنسيق الأمني مع أجهزة الأمن الفلسطينية في الضفة الغربية، أخضع السلطة للشروط والمطالب التي تساهم في وأد أي تحرك قوي يستهدف الإحتلال بل وطاردوا كل مَن تسول له نفسه مقاومة الإحتلال، وعملت الإملاءات الصهيونية عملها في تعميق الإنقسام بين غزة والضفة الغربية، وذهبت المفاوضات بعيداً في شطب حق العودة للاجئين ولم ترضَ “إسرائيل” بذلك وطالبت بالمزيد من التنازلات، ولم ترضَ بأي شكل من أشكال الدولة يكون منزوع السلاح وفاقد لجزء كبير من السيادة، وأما عن الموقف العربي فحدث ولا حرج، كان الظهر الفلسطيني مكشوفاً دون غطاء رسمي عربي في معظمه، وفي زمن الأحداث والأزمات في عالمنا العربي تصبح الأمور أشد تعقيداً، ولم يكن بإمكان العدو أن يشن عدوانه الواسع على القطاع لولا الضوء الأخضر الأميركي، لأن استهداف المقاومة في غزة هو استهداف لمحور المقاومة في أمتنا، وهنا فأن أهمية انتصار المقاومة في قطاع غزة هو إنتصار لفلسطين ولمحور المقاومة وسيشكل فاصلة جديدة في الصراع الدائر هنا في فلسطين وفي سائر أرجاء الوطن العربي الكبير.