العدوان الإسرائيلي الذي يستهدف غزة هو عدوان يستهدف القضية الفلسطينية بأكملها ويأتي في سياق الهجمة الشرسة ضد أمتنا منذ أكثر من ثلاث سنوات ونصف، ولا يحتاج العدو الصهيوني الى ذرائع لشن هجومه على فلسطين، هذا العدو قام كيانه على الاحتلال والقتل ومازال مستمراً في نهجه ووظيفته التي أنشأ من أجلها في منطقتنا العربية.
وفي مسرح العدوان على غزة منذ السادس من تموز الجاري ومازال الأمر قائماً، لم يعد العدو يتحدث عن “صورة إنتصار” أو إجتياح بري يستهدف غزة، إنما زاد في أساليب القتل والدمار وإستهداف بيوت المدنيين لعله يصل الى بعض أهدافه أو يتستّر على إخفاقاته وفشله في كسر إرادة الشعب الفلسطيني في غزة.
وبعد أن انتهى العدو من مسألة الجدل الدائر داخل الوساطة “هل يمكن القيام بعملية برية واسعة وتوجيه ضربة قاسمة ضد المقاومة الفلسطينية في غزة؟”، إختار أن يضرب أهداف مدنية فلسطينية والهدف الضغط على المقاومين لوقف إطلاق الصواريخ التي غطت سائر أرجاء فلسطين المحتلة، جاء بعد أن تبجح العدو أنه يستطيع القيام بعملية برية هدفها ضرب منظومات إستراتيجية للمقاومة يصعب ضربها من الجو.
حالة الإرتباك بادية لدى جيش الإحتلال وقيادته، وبنك الأهداف الذي تحدث عنه أفلس تماماً، وبدأ يبحث عن أهداف مدنية مثل بيوت المدنيين وسياراتهم، وفي جانب المقاومة الفلسطينية في غزة، كان هناك مصداقية واضحة في البيانات التي صورتها وهي تدل على روح عالية من الإنضباطية والثقة بالنفس وحتمية الإنتصار، لم يتوقف إطلاق الصواريخ الفلسطينية، وكان هناك مفاجآت كبيرة، عندما أعلنت المقاومة الفلسطينية أنها ستضرب تل أبيب وحدد المكان والزمان ووفت بوعدها، وهذا يذكرنا بأمجاد وبطولات المقاومة اللبنانية خلال حرب تموز 2006 التي كسرت أسطورة الردع لدى جيش الإحتلال الصهيوني الذي تحدث عنها مطولاً، واليوم تعيد المقاومة الفلسطينية تلقين العدو ذات الدرس.
اللافت أيضاً، هو صمت النظام الرسمي العربي وفي معظمه، كانت ردة فعله باهتة ومواقفه لا تتجاوز العبارات الإنشائية في إدانتها العدوان الإسرائيلي وتحدثت عن التهدئة ووقف النار وكان الأمر لا يعني لها شيئاً وانتظرت الموقف الأميركي وعملت في ظله وتحت سقف ما يريد، وهذا بدور وحسب تصريحات الرسميين الأمييركيين لا يتعدى “إيجاد طرق لوضع حد لإطلاق الصواريخ من قطاع غزه بإتجاه “إسرائيل” وثم دعم الجانب الإسرائيلي: “لا يمكن لأي دولة أن تقبل البقاء مكتوفة الأيدي فيما تسقط صواريخ على أراضيها”، وتناست الإدارة الأميركية أن “إسرائيل” هي من بدأ العدوان، وهذا يدل أن الدبلوماسية الأميركية أصبحت رهينة بأيدي العدو الصهيوني، وتنسى بأن هناك شعب فلسطيني تحتل أرضه منذ 66 عاماً ويعاني من القهر والحصار والتشريد والقتل.
أراد العدو من عدوانه قهر إرادة الشعب الفلسطيني وضرب المقاومة واقتلاعها لكنها فشل في تحقيق أهدافه لأن المقاومة متجذرة في فلسطين وفي غزة المقاومة والعنفوان، وفشل أيضاً في ضرب وحدة الشعب الفلسطيني.
وبعدها بدأت الدبلوماسية الأميركية وأدواتها في المنطقة تبحث عن حل يسمح لـ “إسرائيل” بالحفاظ على إنجازاتها السابقة من خلال العودة الى تفاهمات 2012 والتهدئة التي أبرمت آنذاك برعاية مصرية، وبدأت المبادرات تطل برأسها وهي لا تميّز بين المحتل وبين من أحتلت أرضه، ويصبح الأمر أشد قسوة ومرارة، عندما نجد “المبادرة المصرية” التي قدمت وكأنها جاءت من عالم آخر، وكأن مصر بعيدة عما يجري في المنطقة وكان أمنها القومي غير مهدد، والسؤال، كيف يتهدد الأمن القومي لمصر في “الخليج” الذي يعتبر خط أحمر؟ ولن نسمع مثل هذه المعزوفة عندما يتم إستهداف الشعب الفلسطيني في غزة!
ما يمكن قوله، المقاومة الفلسطينية اليوم تكرس معادلة ردع جديدة تضاف الى ما أنجزه أبطال المقاومة الإسلامية والوطنية في لبنان وهم يقاومون العدو الصهيوني وتوج نضالهم بإنتصار تاريخي في تموز 2006.
اليوم يلتقي تموز الفلسطيني 2014 مع تموز اللبناني 2006 وهذا سيكون له ما بعده في ظل الحالة الراهنة وما تتعرض له أمتنا من إستهداف، وستبقى المقاومة مستمرة طالما بقى الإحتلال، وهي تحقق الإنجازات، وعلى القيادات الفلسطينية أن تستثمر هذا الإنجاز السياسي والعسكري لخلق حالة جديدة تكرس إستمرار المقاومة ووحدة الرؤى والهدف بعيداً عن الرهانات الخاسرة والمفاوضات العقيمة التي هي أخطر من الحروب التي شنت ضد شعبنا الفلسكيني وأمتنا.