لا غرابة أن تكون المقاومة عنوان مقارعة أعتى ترسانة عسكرية في المنطقة وتقدم شهداءها من دون منّة او حساب أو ، ومن دون إطلاق صيحات استغاثة للانظمة العربية المتواطئة مع العدوان على غزة.
ولا غرابة أيضاً، أن تقوم “اسرائيل” بشن عدوان غاشم لا هوادة فيه، تتعمّد قصف الشوارع والمساكن والمزارع، فتقتل الفلسطينيين بقلوب باردة، وتستهدف الأطفال والنسوة والشيوخ دون حسيب او رقيب .
وليس صدفة ايضا ، ألا يصدر عن “جامعة الدول العربية” بيان عربي موحد يشجب هذه الحرب الاجرامية ، وأن تلجأ هذه الجامعة إلى مجلس الأمن تناشده للتدخل لوقف المجزرة الدموية ضد الغزاويين ، فيما تكتفي فرقة
المثقفين والمفكرين والصحفيين ومنظمات المجتمع المدني، واتحادات الأدباء والكتاب والفنانين، بحفلات التنظير التي لا طائل من ورائها سوى العبث بالكلمات والأفكار.
ايها العرب …هل غزة منطقة تقع في مجاهل افريقيا ، أو في أبعد نقطة في القطب المتجمد الشمالي، أو كأنها لا تتحدث اللغة العربية ولا يصوم أهلها في رمضان، وكأن أهلها من “الجراد ” لا قدر الله يجب رشه بالمبيدات من دون إحساس أو مسؤولية ؟
لا غرابة في كل ذلك، بعد أن لمسنا ورأينا وقرأنا ما أفرزه الاميركيون والغربيون والتكفيريون من “ربيع عربي” ونتائجه المذهلة التي أضاعت البوصلة التي كانت تشير، ولو على استحياء، إلى فلسطين المحتلة ، وفجّرت الحروب المذهبية والطائفية والعرقية في المجتمعات العربية، وتمهّد الآن إلى تقسيمات إجرامية ستفضي، إذا ما تحققت، إلى دويلات مصطنعة وكيانات فتنوية لا حول لها ولا قوة، تقتات على المانحين العرب والاجانب ، وعلى هبات الأمم المتحدة ومنظماتها التجارية، لتتحول فئات جديدة من الشعب العربي إلى متسولين جدد على أبواب المؤسسات الدولية التابعة للدول المتقدمة، تضاف إلى ملايين اللاجئين الموزعين في أقطار العالم كافة.
نازحون من كافة الاقطار العربية ، من سوريا والعراق والسودان والصومال واليمن وتونس وليبيا وفلسطين، ضاقت بهم بلادهم وهربوا من بطش الجماعات المتطرفة ، والمليشيات والألوية التي طرحت نفسها بديلاً عن الانظمة القائمة ،نازحون هاربون من التكفير والذبح والجوع والفقر والسجن والبرد والحر، نازحون أصبحوا مادة للتسول والسرقة والاستغاثة والإغاثة وجمع التبرعات، نازحون أصبحوا عرضة للاتجار بأعراضهم وكرامتهم وحاضرهم ومستقبلهم، نازحون ينظرون إلى المستقبل بعيون الخيبة والخوف والتشاؤم ومناظير اليأس والكبت والحرمان .
لنيتحدث الغزاويون عن عدد شهدائهم الذين سقطوا في العدوان الحاصل على ارضهم ، ولا عن عدد المنازل التي تهدمت فوق رؤوسهم، ولا عن النقص في الأدوية والمستلزمات الطبية في المستشفيات، ولا عن النقص في الوقود، كل ذلك كان يجري من حولهم قبل العدوان الأخير على غزة، كان يجري بطريقة الذبح الهادئ والقتل الصامت والخنق الناعم، والحصار المعلن.
ولن يتحدثون عما ستؤول إليه الأوضاع عندهم، أو عن سيناريوهات العدوان واحتمالات تصعيده في الايام القادمة ، فربما تكون الحرب البرية قد بدأ الاستعداد لها ،بالطبع لن يتحدثون عن ذلك، لأن سيناريو القتل والارهاب والتنكيل سيتكرر حتى لو تم التوصل إلى هدنة، ولكن ما سوف يجيب عنه الشعب الفلسطيني انهم سيظلون يحملون البندقية ضد الاحتلال الاسرائيلي غير آبهين لخدعة طاولة المفاوضات التي يتلقى فيها المحاور الفلسطيني الأوامر ، فالمهم عندهم هو فك الحصار عن غزة، وفك القيود عن الضفة الغربية، وتوقيف مسلسل بناء المستوطنات وتدنيس المقدسات والاعتداء اليومي على المحرمات .
غزة خسرت تأييد المنافقين والكفار، الذين يدّعون بأن القرآن لم يأمرهم بمحاربة “إسرائيل”! بل أمرهم أن يجروا الويلات والخراب والدمار الى البلدان العربية وايقاع الفتنة بين اهلها.
عفوا غزة…الاعلام العربي مشغول بالمسلسلات المستوردة المليئة بقصص الدعارة والخيانة ،ومشغولة بكأس العالم لكرة القدم ،تبكي على اصابة اللاعب البرازيلي “نيمار” اكثر من اطفال غزة الذين يقتلون كل يوم ، وتتأسف على هزيمة منتخب الارجنتين
أكثر من استشهاد المسنين وهدم المنازل والمستشفيات في فلسطين، وهي مستعدة للسهر حتى الصباح لمتابعة ركلات الترجيح بين هولندا وألمانيا من دون أن تكون لديها القدرة على الاستماع إلى نشرة أخبار لتغطية مجريات العدوان على غزة
لا بكاء على فلسطين ، لأن الفلسطينيون لا يبكون على فلسطين ، ولا حسرة على غزة، لأن غزة لا تتحسر على نفسها، ولكن، ليبكي هؤلاء التكفيريين والمرتزقة على أنفسهم، ويتحسرون بعض الوقت على مستقبلهم، ولتستعد جامعة الدول العربية لزيادة المقاعد، فقريباً، سيتجاوز عدد أعضاء الجامعة الثلاثين عضواً، وربما تكون المقاومة من ضمنهم .