هل تعلّم اللبنانيون شيئاً من تجربة بلدان “الربيع العربي” التي دخلت اليها جحافل التكفيريين وممارستهم حالة الانقسام والتشظي على اسس عرقية ومذهبية ؟
من موقعه على رأس تكتل التغيير والاصلاح حاول الجنرال عون وضع أصبعه علىجرح طائفته … اقترح انتخاب رئيس الجمهورية مباشرة من الشعب، على دورتين، الأولى “تمهيدية” يختار بنتيجتها المسيحيون أعلى فائزين، لتليها انتخابات عامة، يشارك فيها اللبنانيون كافة !
وبالتزامن مع هذا الاقتراح ارتأى العماد عون اعتماد “القانون الأرثوذكسي” والذي بموجبه تختار كل طائفة ممثليها إلى الندوة البرلمانية، فيتخلص المسيحيون منعقدة استيلاد نوابهم في كنف الطوائف الاخرى وتحديدا الصوت السنّي والشيعي .
وبصرف النظر عن دوافع الجنرال ونواياه وتطلعاته الشخصية أو الحزبية، فقد كان من المتوقع أن تثير اقتراحاته انتقادات واسعة في صفوف القوى والأحزاب السياسية ، فالاقتراح الأول، قد يحمل في طياته بذور التحول من نظام برلماني إلى نظام رئاسي، أو أقله، عودة المسيحيين إلى لعب دور مركزي اعتادوا عليه، على رأس النظام السياسي اللبناني … لكن الانتقادات الأهم لمشروع الجنرال جاءت من خصومه ومنافسيه المسيحيين، الذين أدرك كثيرون منهم، أن مثل هذا الاقتراح سيأتي بعون رئيساً إلى قصر بعبدا، مدعوماً بأصوات أكثرية مسيحية في الجولة الأولى، تضاف إليه أصوات معظم الشيعة وبعض السنة في الجولة الثانية، وهذا ما لا تتوفر عليه، أية شخصية مسيحية أخرى.
لأسباب شخصية وانتهازية محضة، ترفض شخصيات مسيحية من 14 آذار اقتراح عون لأنه سيخرجها من حلبة السباق إلى القصر الجمهوري، حتى وإن كان الثمن، إطالة أمد الشغور الرئاسي، أو المجيء برئيس ضعيف على شاكلة الرئيس سليمان كتسوية بين المرشحين الأقوياء، ومن ثم الاستمرار في مسلسل تهميش الدور المسيحي في الحكم بعد اتفاق الطائف.
كان من المفهوم أن يرفض تيار المستقبل وحلفائه قانون “الفرزلي” الذي أخرجه الجنرال من الأدراج التي رُكن فيها، لأن القانون سيفقد الكثيرين ، فرصة التلاعب بإرادة المسيحيين واختياراتهم، وتوسيع كتلهم البرلمانية على حساب التمثيل المسيحي المستقل … بيد أن اللافت في الأمر، أن المعارضة الأشد لهذا الاقتراح، جاءت من خصوم الجنرال المسيحيين، مع أنه سبق لهم التوافق تحت رعاية بكركي على هذا القانون، قبل أن يبدؤوا بالانقضاض عليه، تحت ضغط الحلفاء والممولين، وعلى أمل منع الجنرال من الحصول على مقاعد إضافية في المجلس النيابي، حتى وإن كانت النتيجة ذهاب هذه المقاعد إلى الطوائف والمذاهب الأخرى!
طبعاً، هناك دوماً “فذلكات ” فكرية ونظرية يتلطى خلفها هؤلاء للتعمية على أسبابهم ودوافهم الحقيقية، منها حديث “الهوية الوطنية الجامعة” ومنها رفض “حلف الأقليات” ومنها “العروبة الجديدة” … لكن المؤسف أنه كلما توغل أصحاب هذه النظريات في شرحها والذود عنها، كلما قل الطلب عليها والثقة بجديتها … سيما وأن ماضي بعض القائلين بهذا الشعارات وتجربتهم، لا يسمحان لهم بتسويق “العروبة” و”الديمقراطية” على نطاق جدي وواسع، خصوصاً في اللحظة الراهنة، الملازمة للمذهبية، ذات الطابع التكفيري .
نحن معشر الديمقراطيين، ذوي “النزعات التوحيدية” ومن موقع الإيمان بفشل “دولة المزارع ” والانتصار لـ “دولة المواطنة”، لا تروقنا أفكاراً تنحو نحو الانعزالية ، بيد أننا ومن موقع العقلانية السياسية، وفي ضوء ما يتراقص أمامنا من خيارات وبدائل كارثية، نرى انه من الاجدى التفتيش عن أهون الشرور التي تنتظر لبنان وتتربص، فهل يدرك “أهل الحل والعقد” في المجتمع اللبناني هذه الحقائق، وهل يتداركوا ما تبقى لهم من حضور لوطنهم ومستقبل ابنائهم ، قبل فوات الأوان؟ … هل نحيلهم إلى الى ما يحدث في بلدان عربية عديدة لتعلم بعض دروس تغليب المصلحة العامة على المصلحة الفئوية الضيقة ؟