الحديث عن حروب دموية تخوضها جماعات تكفيرية غير آبهة بتعاليم الاسلام وقيمه الانسانية ، ليس حديث خرافة، بل هذا ما تنطق به الوقائع في العراق وسوريا وليبيا واليمن والسودان والصومال، وأحياناً في بلدان أخرى مثل لبنان ومصر .. فمنطقة المشرق العربي بالتحديد تكاد تكون المنطقة الوحيدة في العالم التي تشتعل فيها صراعات دموية يختلط فيها الدين بالسياسة .
ذلك هو الواقع المُر والمؤسف، غير القابل للتعتيم عليه، والذي لا يُمكن حجبه او إنكاره ،فيما “اسرائيل” العدو القومي والتاريخي للعرب والمسلمين ، تصول وتجول في الضفة الغربية المحتلة وتنكل بالشعب الفلسطيني الرازح تحت الاحتلال الصهيوني بحجة اختطاف ثلاثة مستوطنين فيما هذا العدو يتجاهل حقيقة اقدامه على اختطاف آلاف الأسرى، لا وبل اختطاف فلسطين بأسرها .
في الأيام القليلة الماضية نشرت تصريحات منسوبة إلى المرجع المرشد في الجمهورية الاسلامية الايرانية علي خامئني يحذر فيها من حرب في العالم الإسلامي يتسبب بها ويؤججها التكفيريون .
وبالفعل فقد امتدت النيران من سوريا إلى لبنان، ومن سوريا إلى العراق، ولبلدان خليجية كما لدول وأنظمة أخرى دور في كل ما يجري، ولبلدان خليجية ايضا كما لبقية الدول المعنية دور مأمول في إطفاء النيران السورية بالذات، لكن ذلك لم يحدث . . دور الإطفائي كما هو بادٍ لا يغري هؤلاء إلا على نطاق ضيق ومؤقت .
النيران التكفيرية المشتعلة في العراق، تتغذى من الحرب في الجوار السوري كما من بيئة دموية “راسخة” في بلاد الرافدين، ومن مؤامرة خارجية ومن تجارة سلاح مشرعة الأبواب، لذلك ومن واجب كل العراقيين حماية المراقد وكل الأماكن ودور العبادة للمسلمين وغير المسلمين . إنها مهمة العراقيين والدولة العراقية، وليست مهمة أي طرف خارجي . ولهذا تنادت أغلبية دول العالم في الأسبوعين الماضيين للدعوة إلى الاسراع في ايجاد حل سياسي للازمة العراقية يبدأ بعقد اجتماعي جديد وتشكيل حكومة انقاذ وطني تقوم على شراكة وطنية تواجه غزوة “داعش” وتحد من الانفلات الأمني القائم على قدم وساق .
الحرب التكفيرية في منطقتنا يجب أن تنطفئ، والأكثر قوة والأشد حضوراً والأبعد رؤية هو من يسهم في إطفائها . هذا هو التحدي النبيل الذي يواجه كل أصحاب النوايا الطيبة، وكل من يتطلع إلى الأمن والاستقرار، والى تحقيق العدالة في محتلف البلدان كما في العلاقات بين دول المنطقة .
العجز وغياب الإرادة السياسية والمطامح المذهبية الضيقة والأنانية السياسية هي التي أدامت الحرب السورية، وإطفاء النيران في المنطقة يبدأ من سوريا . فالحريق الكبير يشتعل هناك . أما الصراعات الدموية والطائفية والجهوية في العراق فهي سابقة على الانفجار السوري وإن باتت تتغذى منه .
وإذا كانت “داعش” واخواتها يشكلون خطراً داهماً حيث تنشط مواجهتهم هنا وهناك، وحيث تلتقي الإرادات الواعية في التصدي لهؤلاء ، فإن واقع الحال ينطق بأن هناك عدداً كبيراً من الميليشيات التي تنحو بدورها منحى طائفياً مُدمّراً، وتلقى هذه الميليشيات الجرّارة دعماً وفيراً من هنا وهناك، والوضع الحالي في العراق ينطق بالشواهد على ما نذهب إليه، ما يسهل معه القول إن المخاطر تكمن في التكفيريين دون سواهم . وكذلك هو الأمر في سوريا . وها هما البلدان الشقيقان الجاران اللذان طالما تطلع الشعب فيها إلى الوحدة بينهما، ها هما هذان البلدان يتوحدان في الكارثة التي تحيط بهما .
وفي جميع الأحوال فإننا نتطلع إلى احترام التعدد والتنوع في إطار المعتقد الديني، وإذا كنا ننتظر من الآخرين في الغرب أو سواه أن ينظر لنا نظرة انصاف واحترام وإقرار بالحق في المشاركة، فما أجدر بنا أن نبادر نحن فيما بيننا، إلى إنصاف بعضنا بعضاً على جميع الأوجه والمستويات، في العلاقة بين مكونات الشعب الواحد كما بين الشعوب والدول كبيرها وصغيرها.
ما يتعرض له المسلمون والمسيحيون في هذه الآونة يكاد يفوق ما تعرضوا له في حقبة الاستعمار والاحتلال الأجنبي لبلدانهم . فلترتفع الأصوات لوقف هذه الحرب التكفيرية المتعددة الأشكال والجبهات، وليكن الرهان والتحدي في العمل على وقفها وإزالة أسبابها، وعدم توفير أي بيئة لاستمرارها واتساعها .