يشهد العراق منذ ايام تطورات دراماتيكية بعد التقدم العسكري الميداني للنظام في سوريا على الجماعات التكفيرية وتحديدا “داعش” التي سرعان ما نقلت حربها التدميرية باتجاه العراق وسيطرتها على
أجزاء من الشمال العراقي، بعد سيطرتها على الفلوجة سابقاً، الامر الذي شكل إنذارا مدوا بما ينتظر المنطقة برمتها، في القريب العاجل .
علينا أن نعترف، أمام هذا الإنذار الخطير، بأن العراق والبلدان العربية المجاورة تدفع أثماناً باهظة نتيجة السياسة الاميركية التي مازالت تصر على لعب الورقة المذهبية بهدف تمزيق النسيج المجتمعي لبلدان “الربيع العربي” ، وتعزيز الخطاب الطائفي والعشائري في حين جاءت “داعش” تجني ثمار العصبية المذهبية التي دفعت بالكثيرين إلى تغيير ولاءاتهم من شخصيات عربية ، ومن تيارات سياسية إلى كيانات أخرى مثل “فتح الإسلام” و”جند الشام” وجماعة أحمد الأسير والجماعات السلفية “الجهادية” في طرابلس وعكار، بالاضافة الى أهل الأنبار ونينوى وسواهما الذين اندفعوا إلى تأييد الجماعات المسلحة الزاحفة الى بلاد الرافدين، والمسكونة بأفكار لا تنتمي إلى العصر، ولا تعترف بالدولة الوطنية وقيمها المدنية الحاكمة .
وكما ساعدت الولايات والغرب وعدد آخر من الدول الخليجية بالمال والعتاد على نشر الفوضى في سوريا، وتشجيع “المعارضة” والجماعات المسلحة على قتال النظام والجيش، بهدف إسقاطهما، فهؤلاء ايضا ساهموا عن قصد في تعزيز جماعات تكفيرية قتالية مثل “داعش” و”جبهة النصرة” ونظيرات لهما، ومكنوا هذه الجماعات من بيئة خصبة للنمو والانتشار . ويخطئ من يعتقد بأن رقعة الانتشار لن تتجاوز سوريا والعراق ولبنان ، فهاهم الأوروبيون بدأوا يشعرون بلهيب نيران سوريا تلفحهم، وهم الذين أمعنوا طويلاً في تخريب سوريا وتدميرها .
العراق مهدد اليوم من الزحف التكفيري الذي يمعن بالقتل والتدمير دون رادع وهذا سينتج عنه كوارث وطنية وإنسانية ستشكل عبئاً إنسانياً وإستراتيجياً وسياسياً على المنطقة، ولاسيّما إذا صدقت الأخبار التي تقول إن هناك جهات خليجية تمول تنظيم “داعش” الذي يقود هذه العمليات الارهابية ، بقصد اخضاع العراقيين لحكم الفكر المتطرف والمتشدد، وتهديد العراق بحرب داخلية طويلة الامد .وفي هذا المجال يتوقع عدد من المراقبين عبور العنف الحدود العراقية عبر الحدود كافة، ودخول المنطقة برمتها في صراع دموي طويل، سيكون الكيان الصهيوني فيه هو الرابح الوحيد، على الرغم من أن هذا المنطق لم يعد يتوقف عنده كثيرون، خاصة أن البعض يعتقد أن هنالك تهديدات أكثر خطورة من التهديدات التي يشكلها الكيان الصهيوني، ناهيك عن أن الصراع العربي الصهيوني تراجع ليصبح صراعاً فلسطينياً صهيونياً، وحتى هذا الصراع الضيق تراجع ليصبح أكثر ضيقاً، ولاسيّما مع تشرذم الساحة الفلسطينية وانقسامها ما بين مؤيد للمفاوضات ورافض لها، إضافة إلى التحالفات التي تربط كل جهة مع الخارج .
العراق في حاجة إلى عمل عربي واسلامي من اجل مواجهة الخطر القادم المحدق بنا جميعاً، جراء تنامي التوجه المتطرف الذي يقترب من الإرهاب التكفيري ، وهو أبعد ما يكون عن روح الإسلام السمحة، والتعايش السلمي بين جميع الأديان والطوائف والمذاهب .