جملة من العوامل والأحداث التي شهدتها المنطقة منذ أكثر من عقد من الزمن تتضافر اليوم مع جردة حساب الأرباح والخسائر الناتجة عن التغيرات المتوقعة التي ستنجم عن موازين القوى الجديدة في المنطقة، بدأت تتضح مؤشراتها تباعاً، ويبدو أن وجه الشرق الأوسط الجديد الذي بشّر به المحافظون الجدد في الولايات المتحدة منذ إجتياح العراق في آذار 2003 إنعكس على المنطقة ولفّها بالسواد ورائحة البارود والدمار وأشعل النيران وبثّ التفرقة وخلط الأوراق من جديد في محاولة لإعادة إنتاج سايكس – بيكو جديدة.
ما حصل؟ وبالتأكيد، فشل المشروع الإستعماري الجديد من تحقيق أهدافه بالرغم من محاولات الدول المشاركة فيه، إستخدام جميع أشكال الإرهاب بكافة أنواعه، من القتل الى الحصار والتجويع والى إستخدام الإقتصاد كسلاح وشراء الذمم والتهديد والوعيد وإثارة النعرات الطائفية والمذهبية.
وفي النتائج المباشرة الى ما توصلت إليه الأحداث والأزمات من نتائج في المنطقة، نبدأ من 24 تشرين الثاني 2013، عندما توصلت الجمهورية الإسلامية الإيرانية الى إتفاق مع أعضاء دول 5+1 الى إتفاق يقضي بالحد من البرنامج النووي الإيراني واستخدامه لأغراض سلمية، مقابل رفع العقوبات المفروضة، وهذا ما عُرِف بالإتفاق المبدئي، وبعدها تواصل الجانبين الإيراني والأميركي عبر طرف ثالث، توّجت المساعي بتغيير واضح في السلوك الأميركي تجاه طهران والهدف الأبعد هو التوصل الى تعاون في القضايا الإقليمية، مثل دور إيران في ضبط الأمن في أفغانستان بعد إستكمال خروج القوات الأميركية في نهاية العام الحالي 2014، والتعاون من أجل إيجاد حلول مقبولة في العراق وسوريا والخليج.
مثل هذه الخطوات تمّ قراءتها إقليمياً ودولياً على أنها إنجاز هام حققته إيران أوهي صفقة تنازلت بموجبها واشنطن في السياسة واستفادت إيران في تعزيز حضورها في أكثر من مكان مقابل تسوية في ملفها النووي.
وحاولت واشنطن طمأنة حلفائها في المنطقة بأن خطوتها تجاه إيران لن تكون على حساب دول أخرى وحرصت على عدم تغيير المعادلة القائمة في منطقة الخليج.
من ناحية أخرى سعت دول مجلس التعاون الخليجي في مرحلة ما بعد حكم “الإخوان” الى تكوين تكامل سياسي – إقتصادي مع مصر عن طريق المؤسسات الرسمية والخاصة، وتحت عنوان دعم مصر إقتصادياً وبالتوازي أيضاً، هناك بوادر إنفتاح بين طهران والرياض، من خلال خطوات دبلوماسية محددة وصولاً الى عمل مبرمج توّج بزيارة الرئيس الإيراني الأسبق هاشمي رفسنجاني للسفير السعودي الجديد في طهران عبد الرحمن كشهري، ويتوقع أن تكون الزيارة بمثابة مقدمة لتواصل البلدين وخلق معطيات جديدة تكون كأرضية لأي حوار قادم ستفرضه الوقائع في المدى القريب، ويمهّد لإيجاد حل لبقية الملفات الساخنة في المنطقة.
ما يمكن قوله إن إيران تحقق الإنجازات في الشرق الأوسط وهي نجحت حتى الآن من خلال محور المقاومة ودورها الكبير في المنطقة، نجحت في كبح المشروع الذي يستهدف المنطقة بأسرها، إذا إصطدم بمقاومة قوية أفشلته ومنعته من تحقيق أهدافه في سوريا.
بينما “وصلت المفاوضات مع دول 5+1 الى نقطة مهمة وحساسة وصعبة جداً” حسب تعبير الرئيس الإيراني حسن روحاني، ومن المرجح إبرام إتفاق بحلول نهاية تموز 2014 أو تمديد المفاوضات.
المنطقة بأسرها مقبلة على جملة من الإستحقاقات الهامة، في مصر وسوريا والعراق ومنطقة الخليج ومن المتوقع أن تتقاطع جميع الملفات عند نقطة معينة وهدف واحد، لأن المصلحة المشتركة تحتم إيجاد حلول ناجعة للملفات العالقة وإلا فالبدائل لن تعود بالنفع على دول المنطقة وشعوبها.