بعد مسلسل الأحداث التي عصفت بالدول العربية دون إستثناء خلال ما يزيد عن ثلاثة أعوام، بدأت ملامح الحقيقة تتضح تباعاً وما أريد من شرّ لأمتنا لم يكن حدثاً عابراً، بل هو نتاج جملة من العوامل والتراكمات وجدت صانعاً لها، وأعيد إنتاجها على شاكلة الأحداث التي مرّت، وأيضاً المسؤولية تقع على عاتق أولي الأمر من نظام رسمي عربي وسياسات خاطئة فرّطت بالأمن القومي العربي عندما منعت كل صور الوحدة أو التضامن وحتى التكامل الإقتصادي وعدم ترتيب أولويات الوطن والمواطن على حد سواء ما جعل المنطقة تغرق في أتون صراع بات يهدّد كل شيء تمّ إنجازه على مدى عقود طويلة.
اللافت، الزيارة التي قام بها وزير الدفاع الأميركي تشاك هاغل الى مدينة جدة السعودية والإجتماع مع وزراء الدفاع لدول مجلس التعاون الخليجي، حيث طرح رغبة بلاده في قيام قيادة قوات مشتركة فاعلة بينها وبين قوات مجلس التعاون مجتمعة، كما هي الحال في حلف شمالي الأطلسي، بالطبع ستكون القيادة الفعلية فيها للبنتاغون، لكن هذا المطلب لم يلقَ تجاوباً من قبل دول المجلس كما يبدو، والأسباب كثيرة، أقلها رغبة الولايات المتحدة في تكريس هيمنة ما على الخليج قبل التوصل مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية الى إتفاق نهائي بشأن النووي الإيراني يتوقع أن يتم خلال شهر تموز القادم أو بعده بقليل.
والسؤال ما الذي يريده وزير الدفاع الأميركي؟
في أقل التقديرات، يريد حماية المصالح الإقتصادية الأميركية في المنطقة وحماية أمن “إسرائيل”، والأمرين من ثوابت السياسة الأميركية في المنطقة، وطبعاً لا يتعلّق الأمر بالإستعداد لحرب متوقعة هناك، بدليل أن المفاوضات النووية الإيرانية مع الدول 5+1 مستمرة رغم صعوبتها، والحوار بدأ بعد إنتظار ثلاثة عقود، وخيار الحوار هو رغبة الجانبين، وأوضاع المنطقة تغلي على صفيح ساخن والأطراف كافة في أسوأ حالاتها الإقتصادية والحرب ضد الإرهاب بدأت في أكثر من مكان.
ويلاحظ أيضاً أن جلسات المحادثات بشأن الملف النووي التي أعقبت الإتفاق المبدئي في جنيف تشرين الثاني 2013، لم تتطرّق الى أي ملف آخر من الملفات الإقليمية الساخنة، والجانب الأميركي يعمل على عدم تعكير المحادثات، والهدف تجنيب المنطقة أي عملية خلط جديدة للأوراق وإتساع مساحة الصراع، بينما الهدف تحقيق أمن وإستقرار منطقة الخليج نظراً لأهميتها الإستراتيجية وبعدها الدولي من الناحية الإقتصادية.
جملة العوامل السابقة، تدفع دول المنطقة في الخليج نحو التوجّه الى حوار جدي ومواجهة التحديات الأمنية، وأن يوضع حدّ لمحاولات البعض الإصطياد في المياه العكرة وخلط الأوراق في منطقة هامة من العالم، على شاكلة ما طرحه وزير الدفاع الأميركي في إجتماعه الأخير مع وزراء دفاع دول مجلس التعاون الخليجي.
ويمكن القول أيضاً إن موازين القوى الحالية في منطقة الخليج ومصالح دول الجوار مع إيران تحتم إنتهاز الفرصة المتوفرة وتفعيل حوار جدي يأخذ في الإعتبار مصالح جميع الفرقاء ومواجهة التحديات الأمنية والسياسية بعد أن إمتدّت يد الإرهاب الآثم الى المنطقة بأسرها، ونقاط الإتفاق ستكون مدخلاً لتهيئة بيئة جديدة للدخول في تعاون أوسع لإيجاد حل للملفات الأخرى العالقة، وعلى الحكماء في المنطقة إعادة النظرمن جديد في قراءة صورة الواقع الماثل والعمل على تغييره بإتجاه الأفضل.
هذا ما تتطلبه مصلحة السعودية كما إيران وسائر دول المنطقة، وكل المؤشرات تؤكّد أن فرص النجاح باتت متوفرة، وهذا ما سيعزّز أمن وإستقرار المنطقة.