جرت الإنتخابات التشريعية العراقية يوم 30 نيسان 2014 في ظروف داخلية وإقليمية ليست بالعادية، لكنها إرادة العراقيين نحو عراق جديد بهوية وطنية، ويأمل كثيرون أن تكون الإنتخابات خطوة هامة في الإتجاه الصحيح وهي جرت للمرة الأولى بعد خروج قوات الإحتلال الأميركي من العراق عام 2011.
العراق اليوم بحاجة ماسة لإعادة الروح الى عملية سياسية عراقية بمشاركة جميع مكوناته السياسية ومجابهة التحديات المائلة وإستخدام إمكانياته وقدرته من أجل وضع حد للتدهور الأمني ومحاربة الإرهاب الذي هو نتاج البيئة الإستراتيجية الهشة المحيطة اليوم بالعراق، ويتخوف العراقيون من محاولة البعض استغلال العملية الإنتخابية ومهمة تشكيل الحكومة لجر البلاد الى آتون صراعات جديدة لا تخدم العراق وتصب في صالح ما يدبر للمنطقة بأسرها من مشاريع عدوانية فشلت حتى الآن في تحقيق أهدافها.
يمر العراق بمرحلة هامة من تاريخه ويكاد الصراع الإنتخابي يتحول الى صراع وجود لأن كثير من الكتل السياسية متوترة وتعيش حالة من الإضطراب السياسي وهي تختلف في الرؤى حول دور العراق في المنطقة أو لحسابات داخل مكوناته.
العراق يواجه الإرهاب بشكل يومي والعملية السياسية تتخبط، وهذا ما يساهم في غموض الأفق السياسي في البلاد، وعلى الجانب السياسي أيضاً، نرى أن الميزانية المالية لعام 2014 مازالت معلقة جراء المشكلة القائمة بين الحكومة المركزية في بغداد من جهة وبين حكومة إقليم كردستان من جهة أخرى، وهدّد أعضاء في البرلمان بحجب حصة الإقليم البالغة 17 في المئة منها، إذا استمرت حكومة الإقليم بتصدير النفط الى تركيا عبر أنبوب خاص من دون تحويل واردات هذا النفط الى الحكومة المركزية، ويشار هناك الى دور تركي يتّسم بالسلبية المفرطة وإستغلاله الأوضاع في محاولته إرساء تحالفات مع إقليم كردستان على حساب الحكومة المركزية في بغداد.
وفي أهمية الإنتخابات التشريعية العراقية، إختبار لقدرة الحكومة المركزية على إستكمال العملية السياسية في معزل عن قوات الإحتلال الأميركي، وكل المؤشرات تؤكد، نجاح عملية الإنتخابات حيث كانت هناك مشاركة واسعة وحيوية في كل الأوساط العراقية.
والإنتخابات أيضاً هي إختبار لدول جوار العراق وهي مسؤولة عن إنجاح العملية السياسية واستقرار العراق وليس اللعب على تناقضاته الداخلية، ومن المتوقع أن تتوج العملية السياسية بتوجهات سياسية هامة تأخذ في الإعتبار دور العراق في المنطقة والتحديات التي تواجهها المنطقة بشكل عام.
وهناك تحدي آخر يواجه العراقيين يضاهي الإنتخابات وهو منصب رئيس الوزراء واختياره حيث منحه القانون صلاحيات واسعة وهو منصب حساس للغاية لأنه يمس بمقاليد الإمكانات الإقتصادية والإنسانية طوال أربعة أعوام وتطمح كل الكتل السياسية الى هذا المنصب الذي تنتخبه الأكثرية في البرلمان الجديد.
ويطرح رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي منفذاً تفاوضياً جديداً حول خيار تشكيل حكومة “الشراكة” بديلاً عن حكومة الغالبية السياسية ويعتبر أن طبيعة الأخطار المحدقة بالمنطقة وتشكل المصالح وتاريخ النزاعات تستدعي الكثير من التعقل والإنقتاح والإنخراط في مشروع تصالحي شامل يتحرر من أعباء التاريخ الى آفاق المستقبل.