في منطقة هامة من العالم، تتشابك الملفات مع بعضها البعض لدرجة غير مسبوقة والتطورات في مكان ما تبدأ تداعياتها في مكان آخر بترابط وتتابع، والدول العظمى وتلك التي تسمى القوى العظمى والإتحاد الأوروبي وبقية التكتلات العالمية والإقليمية تضع الخطط لحصد الأرباح وتجنب الخسائر بقدر ما يمكن، بينما تدفع دول وشعوب المنطقة الأثمان مضاعفة.
وفي خضم هذا الصراع نلحظ الدور الأميركي الذي يتراجع بإستمرار شكلاً ومضموناً ولم تعد أميركا بالقوة المقررة أو صاحبة الكلمة الفصل، إذ فقدت الكثير من هيبتها بسبب الإخفاقات المتتالية في أكثر من مكان في العالم وفي منطقة الشرق الأوسط بشكل خاص.
في الصراع العالمي الذي يدور على الأرض السورية، إختارت الولايات المتحدة المكان والزمان والأدوات التابعة التي تساهم في دفع ثمن الحرب وما تقدمه من خدمات للقوة العالمية (أميركا) التي خرجت من العراق وفي طريقها للخروج النهائي من أفعانستان، وبعض الدول “العربية” ساهمت في الحرب بالطريقة التي تتلائم مع دورها المرسوم سلفاً، لكن الحسابات لم تكن كما أراد هؤلاء.
ركبت واشنطن موجة الأحداث و”الثورات” في المنطقة وساهمت في تغيير بعض مساراتها خدمة لمصالحها الإستراتيجية في المنطقة وخدمة لأهداف الكيان الصهيوني ثكنتها المتقدمة في المنطقة، لكنها فشلت في حربها ضد سوريا ومحور المقاومة، وهي الآن أصبحت القوة العظمى المكشوفة عالمياً والغارقة إقليمياً، وهذا ما ساهم في عودة روسيا بقوة واقتدار كدولة عظمى فاعلة وصاحبة القول والفعل والتأثير في تطور الأحداث العالمية والإقليمية، بينما جيرت واشنطن الوهم من خلال تسويقها فكرة “ثورة” ليتضح بعدها حجم وهول الكارثة التي جاءت بها الى المنطقة من خلال عصابات لا يجمعها إلا القتل والفوضى وزعزعة الإستقرار وهو وصفة مؤكدة للإرهاب الذي هو صنيعة الممارسات الأميركية والصهيونية وأدواتها منذ زمن طويل.
السيناتور الجمهوري جون ماكين، هو الأميركي الذي وصف أداء الرئيس باراك أوباما في السياسة الخارجية وحال أميركا بقوله: “تتحدث بحزم شديد لكنها تمسك بعصا صغيرة جداً، بل بغصن شجرة صغيرة”، بينما في المقابل هناك موقف روسي قوي وواضح وهو يعمل على منع سيناريو الحروب السابقة التي شُنّت على بعض البلدان مثل ليبيا ويوغوسلافيا، ومن طهران الى بيروت مروراً ببغداد والشام هناك مقاومة في مواجهة المشاريع الإستعمارية، وهذا يعني أنها اللحظات المثلى لمخاض نظام عالمي جديد.
والجهود الأميركية التي بذلت لإنهاء الصراع في منطقة الشرق الأوسط وإيجاد حل للقضية الفلسلطينية، فشلت جميعها وفي الأصل هي فاشلة ولكنها كانت مجرد عنوان لإستمرار أميركا في القيام بدورها وحماية مصالحها وأمن الكيان الصهيوني، وأرادت واشنطن من خلال دورها في المنطقة إنتزاع المزيد من التنازلات من الجانب الفلسطيني.
اليوم تبدو فكرة اللاعب الأميركي الذي يملك جميع الأوراق أشبه ما يكون بـ “مهزلة”، وانكشف أكثر أولئك الذين نادوا بأن عملية السلام هي ملك أميركا، وهذا ما ساهم في إضعاف قوة العرب ونهب ثرواتهم وتسخيرهم من أجل خدمة الأجندة الأميركية – الصهيونية ودفعهم لتغيير مسار الصراع في المنطقة بإتجاه آخر، في الوقت الذي كانت فيه أميركا تغدق الدعم العسكري والإقتصادي الى “إسرائيل” وبشكل غير محدود وحمت الكيان من محاولات المجتمع الدولي لمعاقبته على جرائمه.
لم تعد الولايات المتحدة صانعة السلام في المنطقة كما يروج بعض “العرب” بل باتت العقبة التي تقف في وجه السلام، وهي اليوم تتنصل من مهمتها المفترضة، بالأمس قال وزير الخارجية الأميركي جون كيري “لا يمكن أن نكون نحن مَن يريد السلام أكثر من الفريقين المتخاصمين”، ومثل هذه الذرائع غير مناسبة ولا يمكن لأميركا أن تكون راعياً للسلام.
بقي أن نقول، إن مؤتمر جنيف – 2 كان حاجة أميركية في لحظة تاريخية هامة، لكنه لم يحقق أهدافها في خدمة الكيان الصهيوني وتغيير الخارطة والمعادلة في المنطقة بسبب صمود سوريا ومحور المقاومة في أمتنا، والتفاهمات الشهيرة ما بين روسيا وأميركا كانت حاضرة، واليوم تغيرت المعطيات من جديد، جنيف – 2 أصبح من الماضي، ويستمر الصراع في غير صالح الأعداء.