ما بين روسيا والولايات المتحدة فرق كبير في إختلاف الرؤى والمفاهيم، روسيا دولة عظمى وأميركا قوة عظمى، الإختلاف في الرؤية للإنسان والعالم وفي مفهوم الحق والعدل، وفي مفهوم السلام والحرية.
روسيا في المفهوم الأول، تنظر الى الإنسان كإنسان، بما يعنيه من ثقافة وقيم ومعتقدات، والولايات المتحدة في المفهوم تنظر للإنسان كفرد، بمعنى رقم، ويمكن الإستغناء عنه أو تسخيره لخدمة إستراتيجيتها الإقتصادية وأطماعها التوسعية.
وفي المفاهيم، روسيا تعني السلام والإستقرار ضرورة للتنمية وتقدم الشعوب، وفي المفهوم الغربي والأميركي هناك الحروب والأزمات وتكريس الثروات المادية والتوسع على حساب كل شيء.
وروسيا كدولة عظمى، ما يميزها توظيف القوة لدعم القضايا العالمية العادلة والمحقة، ورأينا عند غياب الإتحاد السوفياتي السابق ماذا حل بالعالم وبقضايا الشعوب ومدى إختلال الموازين، وكيف شُنّت الحروب وتزايدت غطرسة أميركا ومعها دول الغرب الإستعماري.
وفي لحظة مازالت ماثلة بأحداثها وتداعياتها، نرى كيف وقفت روسيا الى جانب حليفتها التاريخية سوريا وبكل قوة واستندت في ذلك الى مقتضيات التحالف الإيجابي والى القانون الدولي، وهذا ما تتجاوزه الولايات المتحدة ودول الغرب الإستعماري الإ إذا خدم مصالحها في المنطقة.
روسيا دولة عظمى استعملت حق النقض “الفيتو” ثلاث مرات لمصلحة سوريا وهي بذلك وفية لتحالفاتها ومبادئها وللقيم التي تنادي بها، واستخدمت روسيا “الفتيو” مرة واحدة لمصلحة القرم، وهذه المواقف تأتي بمثابة إعلان رسمي لحضور روسيا على المشهد الدولي وتعني زوال الآحادية القطبية الأميركية في تقرير مصير العالم وقيادته نحو الدمار والخراب وفي سعيها الى الهيمنة والتسلط ونهب ثروات الشعوب والأمم، وهنا نذكر أيضاً كيف استخدمت أميركا حق النقض “الفيتو” عشرات المرات لتقدم الغطاء والحماية للكيان الصهيوني الغاصب رغم المجازر التي ارتكبها بحق الشعب الفلسطيني وقضايا العرب، وهي مَن ساهم بإنشاء الكيان على أرض فلسطين العربية.
لقد استعادت روسيا مكانتها ودورها في العالم من جديد بوقوفها الى جانب الحق والعدل وانحازت الى القيم التي تنادي بها، قيم الحرية والعدالة والسلام والقانون الدولي، وعادت القرم الى أصلها متوجة بالعزة الوطنية، إنها الخطوة الأكبر وهي البداية لإنطلاقة جديدة، والصراع يبدأ من جديد، بين مَن يرى في التمسك بالشرائع والقوانين قوة له، وبين مَن يرى في خرقها إمتيازاً خاصاً به، ومناطق النفوذ السوفياتية السابقة، هي مناطق نفوذ روسيا بالمفهوم الجيوسياسي وليس بمفهوم التوسع والأطماع، وهذا يعني أن هناك مَن يسعى لإقامة فضاء إنساني وعالم يسوده شيء من العدل والسلام.
لم تعد واشنطن وباريس ولندن المراكز الوحيدة في العالم، ولم تعد مخولة أو مقبولة لإدارة العالم، والسبب لم يخرج من هذه العواصم الإستعمارية قرار واحد ذكر جلب السلام للعالم أو خدم الإنسانية بشكل ما، تلك الدول تركت بصماتها على خرائط العالم من أقصاه الى إقصاه في إثارة الحروب والفتن وإقامة الأحلاف العسكرية والشراكة في نهب ثروات الشعوب واتّباع سياسة فرق تسد في كل مكان وزرع الكيان الصهيوني في قلب الأمة العربية كابح لنهضتها وكحام لمصالح تلك الدول، وكان للعالم العربي نصيبه الكبير من الدمار والدماء التي سالت، في العراق وسوريا ومن قبلها في أفغانستان وفي فيتنام.
وبعد هذا وذاك، يخرج علينا مَن يتحدث عن القيم الأميركية، ويبرّرون الجرائم التي ترتكب بحق الشعوب ويلقون بالمسؤولية على الآخرين، ليس صدفة، إن معظم السياسيين الأميركيين عقائديون مؤمنون بنبؤات التوارة والتنجيم أمثال ريغان، وبوش الإبن كان يتكلم مع الغيب ويأخذ أوامره من السماء.
وبعد ما فعلوه في عالمنا العربي، يقولون عكس الحقائق، ألم يدمروا العراق، ألم يشنوا حربهم على سوريا عبر أدواتهم، ألم يدعموا “إسرائيل”، ألم يدعوا الى الإعتراف بيهودية “إسرائيل”…