ما بين الرغبة والمقدرة مسافة كبيرة هي الوقائع على الأرض، وما بين الأفعال والأقوال اختبار لتلك المقدرة، لكن إرادة الحياة وتحقيق الإنتصار يحتاج الى أسس وقضايا نظيفة وليس المصالح فقط، أصحاب الأرض هم أصحاب الحق وهم من يحقق الإنتصار، أما أصحاب الهيمنة والغطرسة هم الأعداء، وشتان ما بين الحق والباطل.
الصراع في المنطقة على أشده منذ أكثر من ثلاثة أعوام مضت ومازال مستمراً، أصحاب الأرض ينتصرون بالحق ويقدمون التضحيات بلا حدود، أما أصحاب المصالح وقوى الهيمنة العالمية، فأولوياتهم المصالح، وفي ظل الصراع الدائر بدأوا في البحث عن تسوية تحقق لهم الحد الأدنى من المكاسب.
عند هذه الفاصلة بدأ الحديث عن التسوية ما بين دول (5+1) والجمهورية الإسلامية الإيرانية، وعلى وقع الهزائم التي لحقت بالمشروع الأميركي في أفغانستان والعراق وفشل العدوان على سوريا رغم التهديدات وقرع طبول الحرب وإستخدام آلاف الوافدين من المرتزقة وأدوات بني صهيون، ومن ثم بدأ الحديث عن مؤتمر جنيف – 2 واشتدت الضغوط على الشعب الفلسطيني والسلطة الفلسطينية لتقديم المزيد من التنازلات، أي يحاول أعداء أمتنا جني ثمار عدوانهم.
اليوم أصبحنا نرى وبكل وضوح حالة القلق السائدة في صفوف حلفاء واشنطن الدوليين والمحليين ومعهم الكيان الصهيوني، وسبب حالة القلق هذه هو فشل المشروع المعادي في تحقيق أهدافه في المنطقة وخاصة في ظل تنامي قدرات محور المقاومة في أمتنا ودور إيران ووجودها الفاعل في منطقة الشرق الأوسط.
والسؤال الذي يطرحه حلفاء واشنطن، ما هي قيمة القوة العسكرية الأميركية في ظل الإنكفاء الواضح الذي يترجم عجز السياسة الأميركية من ترجمة وجود فاعل ومساهمة حقيقية في إيجاد حل للقضايا الساخنة في المنطقة؟.
لقد جاءت الأحداث بشكل متزامن وتكاد تكون دفعة واحدة، وكأنه كان مطلوباً إختبار القدرات الأميركية المعلنة والكامنة، وهو إمتحان مهم مع المستجدات وفي الوقت الذي أعلنت فيه الولايات المتحدة إيقاف تدخلاتها العسكرية المكلفة وخفض موازنتها العسكرية الى حدود قياسية لم تشهد له مثيلاً في تاريخها، وهذا ينعكس أيضاً على أوضاع حلفاء واشنطن من الدول الغربية، وعلى تغيّر أولويات تلك الدول في الشرق الأوسط وصولاً الى إصدار مواقف عامة، والأولوية الغربية اليوم هي أوكرانيا.
أظهر إستطلاع أميركي “أن أقل من ربع الشعب الأميركي أبدى إستعداده للتصويت لمرشح رئاسي ينادي بضرورة زيادة الدور الأميركي في حل الخلافات حول العالم”، وهذا ما يفسّر سبب تراجع فعالية القوة العسكرية في تحقيق الأهداف السياسية في عالمنا اليوم، وهنا يبرز السؤال التالي في الولايات المتحدة ودول الغرب “حول ما يمكن فعله للإعتراض على ضم روسيا لشبه جزيرة القرم، من دون اللجوء الى خيار الحرب؟!”.
والحديث هو عن تجميد أصول أفراد في المصارف الأوروبية وزيادة صعوبة سفرهم، وعدم الإستقرار المالي في روسيا، هو مجرد إجراء روتيني لا يقدم ولا يؤخر، وعلى المدى البعيد يكمن الرد في دعم البلدان الواقعة على الحدود الروسية واقتصادياتها، وأما الرد الأبرز تجاه الأحداث الراهنة فسيشتمل على “إرساء مفاهيم جديدة للعالم الذي نعيش فيه، وإقتراحات في شأن ما ينبغي أن تقوم عليه الأهداف الوطنية الجديدة للولايات المتحدة، ويلاحظ البعض ظهوراً لتوازن عالمي جديد، قائم على الإعتراف المتبادل بالمصالح، التي يسمح الغرب لروسيا بموجبها أن تضم شبه جزيرة القرم إليها، شرط أن تبدي روسيا إحترامها ظاهرياً لمبدأ وحدة الأراضي الأوكرانية”.
اللافت هو الشعور السائد لدى دول الغرب والولايات المتحدة، حيث شعور الحذر إضافة الى القلق الواضح من كون الخطوات المتخذة لضرب الإقتصاد الروسي قد تتسبب بنتائج عكسية في هذا العالم المترابط بشدة، ما قد يلحق ضرراً كبيراً بالإنتعاش الإقتصادي الهش الذي لا تزال تشهده أميركا وأوروبا، وكون الإتحاد الأوروبي أكبر شريك تجاري لروسيا، إذ يمثل 400 بليون دولار من التجارة في روسيا، أي ما يحاكي نصف قيمتها، ما يمنح أوروبا سلطة كبيرة ولكن يجعلها في الوقت نفسه منكشفة الى حد كبير جداً على المخاطر.
وفي منطقة الشرق الأوسط، حالة من الرقب في ظل صعود روسي وإيراني يستند الى ثوابت ودور فاعل، وينظر الى إيران كقوة صاعدة لها وزنها الإقليمي والدولي، وتأثير ذلك على الأحداث العالمية، وما بين فعل ورد فعل في طبيعة التنافس القائم بين الولايات المتحدة وروسيا، وبين فرصة للرئيس الأميركي باراك أوباما وفريقه لإعادة تثقيف الأميركيين بشأن الحدود الجديدة المفروضة على السلطة في بلادهم، فضلاً عن الطريقة الأمثل للتأثير في الأحداث العالمية في ظل الظروف الجديدة، وهذا يحتاج الى قرار حاسم لدى الولايات المتحدة حول إستخدام نفوذها بطرق جديدة، أكثر إبتكاراً، وإنما أقل محدودية وتتناسب مع القدرات الذاتية والتوجهات التي أعلن عنها الرئيس باراك أوباما.
@@@