عاد الخلاف بين الرئيس ميشال سليمان وحزب الله ، موضوع العلاقات الثنائية بين الطرفين إلى الواجهة، خاصة بعد الانحياز العلني لسليمان الى 14 آذار (على حد اتهام قوى 8 آذار له) وهجومه الناري على المقاومة مما ادى الى فشل جلسة الحوار الوطني التي ارجئت الى 5 ايار القادم .
ويبدو أن التوافق بين حزب الله وسليمان كان مركزا على العلاقات الاستراتيجية بين الطرفين وأن العلاقات عميقة وذات أبعاد مختلفة ، بينما الخلافات التكتيكية بقيت في معظم الاوقات موجودة بينهما . وإذا كانت سياسة الرئيس سليمان قد تميزت في بداية عهده بالهدوء والميل إلى التوافق، فإنه في الفترة الأخيرة اتخذ مواقف مهمة، وخرج إلى ساحة العداء للمقاومة وتبني قرارات تكون أحيانا صعبة، ولكنه خط سياسي جديد.
وجد حزب الله نفسه في مواجهة مع أوضاع تتطلب قرارات قيادية واتخذها، سواء في دعم نظام الرئيس بشار الاسد في حربه المعلنة ضد “الارهاب التكفيري” أو في البقاء على جهوزيته التامة في صد اي عدوان اسرائيلي محتمل على لبنان .فحزب الله تبنى بوضوح دعم الجيش العربي السوري ،في حين الارتباك الذي ابداه سليمان تجاه الازمة السورية سبب امتعاضا واضحا في لبنان ،وكانت المواقف المتضاربة لسليمان تجاه الازمة السورية ووقوفه بشكل غير معلن في صفوف المحور الاميركي – الغربي – الخليجي الداعم للمعارضة المسلحة في سوريا مثالا على التخبط الواضح لادارة سليمان في التخفيف من تداعيات الازمة السورية على لبنان وانعكاساتها الاجتماعية والانسانية على االمواطن اللبناني .
العالم يتغير، ومراكز القوى العالمية تتبدل. والسياسة ليست هي فن الممكن وحسب، بل هي المتغير الدائم في زمن تبدل المصالح والتحالفات. وحزب الله حينما يتجه شمالا ويفتح قنوات تعاون واسعة مع الجانب السوري فهو يتبنى السياسية الواقعية في التعامل مع المستجدات. وتظل سوريا بالنسبة له العمق الاستراتيجي والمحور الأساسي لأمن لبنان خاصة في ظروف التوتر التي تفرضها طموحات قوى التكفير في المنطقة.
وظهر واضحا أن الرئيس سليمان ليس في أفضل أوضاعه، وهذا يعني بالنسبة للكثيرين اهتزاز هيبة الرئيس المؤتمن على البلاد والعباد في خضم هذه الأمواج المتلاطمة من الأحداث الإقليمية والثورات التي أسقطت أنظمة، وملامح لخريطة جديدة للمنطقة بدأت بانفصال دول وبوادر لانفصالات جديدة. وأدى التباعد بين حزب الله والرئيس سليمان إلى إضعاف مؤسسة رئاسة الجمهورية ، وأصبح الثقل يتركز الآن في التنسيق الملموس بين القوى والاحزاب السياسية لتمرير الاستحقاق الرئاسي من ضمن المهل الدستورية وانتخاب رئيس جديد للجمهورية منعا للفراغ .
تباين المواقف تجاه الأزمات حالة صحية في التعامل السياسي، ويعكس التعامل الديمقراطي في العلاقة بدلا من العلاقة التي تقوم على التبعية ، ولكن يبقى الأساس في اي تعامل بين الاطراف السياسية هو التأكيد بينها على المسلمات والتمسك بالقيم وبمنعة لبنان. فسوف تظل رئاسة الجمهورية تحتاج إلى االمقاومة ، ليس سلاحا وحسب، بل دورا سياسيا واستراتيجيا في المنطقة.
وأثبتت الأحداث الأخيرة في المنطقة، مثل أحداث سوريا ، صحة القرار السياسي عند السيد حسن نصرالله ، وفهمه للمنطقة والأبعاد المختلفة لأوضاعها السياسية. كما انه وضع تعريفا جديدا للعلاقات السياسية ؛ نحن نختلف في ملفات وربما تتباين الرؤى تجاه بعض القضايا، لكن تظل المقاومة هي الأساس في تحديد المواقف والتحالفات . وستبقى حاجة لبنان للمقاومة قائمة.. ودائما صوت الدفاع عن الارض والعرض يكون أعلى.
وكما عارض حزب الله الرئيس سليمان بعد هجومه على المقاومة ، سيعارض كل رئيس ينطق بلغة “خشبية” ويتنكر “للذهب” الاصيل … بهذا المعنى يحدد الحزب مواصفات الرئيس المقبل، ويطلق معركة الانتخابات الرئاسية على أساسها.فمن هو الرئيس المقبل الذي يستجيب لدفتر الشروط التي وضعها غالبية اللبنانيين لشغل المنصب، وهي الشروط التي تؤكد على مبدأ الحوار الوطني والإجماع على بناء دولة عادلة وقادرة والتمسك بالدور المحوري للجيش اللبناني والتأكيد على اهمية المقاومة في صد العدوان الاسرائيلي والتكفيري.
^