الإنتخابات البلدية التركية التي جرت يوم 30 آذار 2014 تمثل حدثاً سياسياً، إذ أنها تعكس موازين قوى داخلية بسبب السياقات الإقليمية والزمنية التي جرت فيها وخاصة بعد سقوط حكم “الإخوان المسلمين” في مصر وفشل السياسة التركية حيال سوريا، وهي تمثل مؤشراً هاماً قبل الإنتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في شهر آب 2014، وجاءت الإنتخابات البلدية بعد حدثين هامين تظاهرات ميدان تقسيم المعارضة لرئيس الوزراء التركي أردوغان صيف العام 2013 وإتهامات الفساد التي طالت المقربين منه.
اللافت هو لغة التحدي التي أطلقها أردوغان قبل الإنتخابات إزاء خصومه السياسيين وإعلان عزمه على الإنسحاب من الحياة السياسية إذا لم يتصدر حزبه الإنتخابات البلدية.
وفي قراءة لنتائج تلك الإنتخابات، نال “حزب العدالة والتنمية” الحاكم 45,5 في المئة من الأصوات في مقابل 28,5 في المئة لحزب الشعب الجمهوري الأتاتوركي المعارض، ولم يستطع الحزب الحاكم أن يزيد عدد البلديات التي سيطر عليها أو ينتزع بلدية أزمير من المعارضة العلمانية أو بلدية ديار بكر من المعارضة الكردية، لكنه إحتفظ ببلدتي إسطنبول وأنقرة.
إن مسارعة أردوغان الى توعد خصومه السياسيين وخصوصاً جماعة الداعية “فتح الله غولن” بـ “القضاء عليهم” ووصفهم “بالخونة” واستقباله ناخبيه بإشارة “رابعة” ومؤكداً أن حكومته ستتابع سياستها الخارجية، ووصل به التمادي في وصف خصومه بأنهم “إرهابيون” وشكلوا “تحالف شر”، ومتوعداً بالقضاء عليهم، “سندخل عرينهم وسيدفعون الثمن” واتهمهم بتهديد الأمن القومي لتركيا، وهذا يعني أنه يهدد الجميع.
مما تقدم يتأكد أن أردوغان قلق ومذعور من تطور الأحداث التي لحقت به وبسمعة حكمه وفضائح الفساد والدور الإقليمي الذي فشل في تأديته كما كان مرسوماً له، وهذا يعني، أن الأزمة السياسية في تركيا تتزايد وضاق الخناق داخلياً على أردوغان.
أما من الناحية الإقليمية، يمكن القول، إن نتيجة الإنتخابات البلدية لن تغير من واقع الحال في تركيا، وسيستمر دوره، لكن أردوغان أرادها مناسبة لتحقيق مكسب معنوي وهو يراهن على الأحداث القادمة ويضع الخطط للدخول في السباق الرئاسي وإختار المضي في طريق الإنقسام، ويؤكد خصومه، أن السياسة الطائفية لأردوغان جعلته يخسر محافظة هاتاي وطالبوه بتبديد إتهامه بالفساد قبل ترشحه لإنتخابات رئاسة الجمهورية، وهناك تكهنات بإحتمال تنظيم إنتخابات نيابية مبكرة الخريف المقبل.
ويمكن القول من الناحية الداخلية، سيحاول أردوغان إدارة الأزمة حتى الإنتخابات الرئاسية وسيعمل على رفع معنويات ناخبيه وسيبحث عن كل السبل الكفيلة بزعزعة خصومه السياسيين وإثارة الخلافات فيما بينهم من خلال طروحاته القادمة مثل التلويح بحكم ذاتي للأكراد في مناطقهم الجنوبية التي جرت، والهدف ضمان وصولة الى كرسي الرئاسة.