زار الرئيس الأميركي باراك أوباما المملكة السعودية يومي 28-29 آذار الجاري 2014، جاءت هذه الزيارة بعد حملة إعلامية سعودية ممنهجة وترويج كبير لأهمية الحدث، وأول ما يتبادر الى الذهن، ما أهداف الزيارة وما هي حاجة المملكة وحكامها لمثل هذه الزيارة؟
يبدو أن المشروع الأميركي في المنطقة تقهقر وأصاب أصحابه بخيبة أمل كبيرة وأصبح يتطلب إعادة تثبيت ركائزه من جديد، لأن البناء على ماضي العلاقات الأميركية – السعودية دون إدخال الوقائع الجديدة في صلب الحسابات يعني تجاهل الإخفاقات والأحداث في المنطقة والعالم.
في ضوء حالة القلق والذعر لدى حكام السعودية بسبب فشل المشروع الأميركي والتردد والإنحسار لدور الولايات المتحدة ومكانتها وما رافقه من فتور العلاقات الأميركية – السعودية، والتّهم السعودية التي توجه للأميركي بالتفرد وعدم المشاورة في أحداث المنطقة وحتى عدم إطلاعهم على حقيقة ما يدبر، وعدم النظر بعين الإعتبار والإهتمام للمصالح “الوطنية والقومية” للسعودية وكيفية حمايتها وقطع دابر أي تهديد يستهدفها، وهذا يعني إستدعاء للحماية وإعادة تجديد عمل الغطاء الأميركي لحلفائه في المنطقة.
وفي الوقائع، حالة القلق التي أصابت الجانبين ناتجة عن المأزق المشترك والذي يتمثل في تورطهما في أحداث المنطقة وفي الأزمة السورية وتفرعاتها الإقليمية، وهم أصبحوا بأمس الحاجة للبحث عن مسار جديد يحقق لهم بعض أهدافهم، لكن حدود تأثيرهم في الأحداث يتراجع بإستمرار بينما تتزايد الأخطار المحتملة والناجمة عن فعلتهم وتصرفاتهم، والملف الأبرز الذي يهددهم هو موضوع الإرهاب الذي يتفاقم ومخاوفهم من إنقلاب السحر على الساحر والإرتدادات المحتملة.
رأى حكام السعودية في زيارة أوباما فرصة لحثه على إتخاذ قرارات نوعية تغطي على حالة الإنكفاء والتراجع الأميركي عن المنطقة، والإلتفاف الى حلفائه، وضرورة إتخاذ قرارات نوعية إزاء الأزمة السورية لعلها تخفف من حالة القلق لديهم، وزيارة أوباما أيضاً جاءت بعد فشل خططهم المشتركة للحل السياسي الذي يحقق أهدافهم حسب قراءتهم لمؤتمر جنيف – 2 وبيان جنيف – 1 الذي أصبح من الماضي، هذا يعني أنهما في مأزق عملي، وفضّلا الهروب الى الأمام من خلال خطة عمل لدعم “المعارضة السورية المعتدلة” ومدها بالمعونة لوجستياً وتنظيمياً وتمكينها بالسلاح النوعي لإحداث تغيير في المعادلات.
والسؤال ماذا لدى واشنطن طالما أن سوريا بجيشها وشعبها وقيادتها تصمد وتقاوم وتحقق الإنتصارات وتفشل العدوان وأدواته؟..
جاء أوباما الى السعودية وطلب من حكامها الضغط على السلطة الفلسطينية لكي تقبل بإتفاق الإطار الأميركي لتصفية القضية الفلسطينية، وأكدت الرياض “إستعدادها لتفعيل المبادرة العربية للسلام وتنفيذها الى أقصى الحدود وطمأنت واشنطن إستعداد الدول العربية والإسلامية للتطبيع مع “إسرائيل” والإعتراف بها إذا أنهت إحتلالها للأراضي الفلسطينية، ولم يقل إنهاء إحتلالها للأراضي العربية، ونسأل هنا عن حقيقة الدور والمصالح “الوطنية والقومية” التي يتحدثون عنها”؟!
وأراد أوباما من زيارته للسعودية، إعادة تلميع صورته في البيئة السعودية والخليجية والرأي العام العالمي، بعد أن نالت منها المسألة الأوكرانية وهو مطالب اليوم بإعادة ترتيب الأوضاع لدى حلفائه في المنطقة بعد أن دبت الخلافات في مجلس التعاون الخليجي وانفرط عقدها من الناحية العملية.
يمكن القول، إن الولايات المتحدة لا ترغب في دفع الأثمان وهي اختارت إعادة تدوير تلك المكونات لعلها تساهم في إدارة الأزمة في المنطقة الى أجل أطول طالما أن الخاسر الأكبر هم العرب والرابح الأكبر هو الكيان الصهيوني، لكن مثل هذه الحسابات ستؤدي الى فشل أصحاب المشروع المعادي وأدواته في المنطقة، هذا هو منطق التاريخ وحتمية التحولات.