يدور في لبنان ، منذ فترة، سجال صاخب تشترك فيه مختلف الأحزاب والقوى السياسية والمدنية والثقافية.
وهو لا يدور حول قضية النازحين السوريين الى لبنان وسوء اوضاعهم المعيشية والانسانية ، ، وإنما يدور حول قضية عامة وحساسة، بقدر ما هي مسيّجة أو ملغمة بالنواهي الخلقية والمحرمات الوطنية ، كما هي مسألة العلاقة بين الذهب والخشب كما طرحها رئيس الجمهورية ميشال سليمان في معرض هجومه اللافت على المقاومة!
ومما جعل الجدل يحتدم وينتقل إلى الشارع، أن هناك ميلاً عند سليمان إلى إدراج هذه المسألة في صلب المعركة الرئاسية بعد ان فشل في اقناع قيادة حزب الله بقبول التمديد له لمدة سنتين .
ولا شك أن النقاشات الدائرة تعيد إلى الأذهان السجال القديم حول ثنائية حياد لبنان وانعزاله عن محيطه العربي وبين التأكيد على مقاومة الشعب اللبناني لتحرير ارضه وصد الاعتداءات الخارجية ،ومعلوم أن هذه النظرية تعود بدورها الى الاختلاف في العادات السياسية والصفات الوطنية أو المزايا الخلقية ، وإلى الأنساق الثقافية والبنية الاجتماعية التي تتعاطف قي غالبيتها مع المقاومة لاسيما في حربها المعلنة على الارهاب التكفيري الذي يشكل الواجهة الحقيقية للمشروع الاسرائيلي في المنطقة.
مثل هذا الاتجاه يلقى مقاومة شديدة ، من قبل الرئيس سليمان ،لكنه حتما لن يصمد أمام الوقائع التي تشهد بأن المقاومة اصبحت من معادن لبنان الثمينة ،ومن العيب التعامل معها بخفة واختزال او استخدام الحديث عنها بتحويلها الى تمييز جائر بينها وبين اصحاب العقول الخشبية ،لذلك كان الاجدى على الرئيس سليمان ان ينهي عهده التمسك بخيار المقاومة كمصدر لمنعة لبنان والبناء في الحياة والمجتمع، وفي الفكر والثقافة، كما في السياسة والمجتمع.
من هنا كنا نعتقد يا فخامة الرئيس ان باستطاعة كل فرد منا تجاوز كل أشكال التطرف الخشبي والغلو في المواقف المتشنجة ، بحيث لا يخضع احدهم لاهوائه العمياء، ولا يقفز فوق الوقائع بتشبيحاته الصبيانية ، وكنا ننظر اليك بوصفك مدبراً وراعياً، والحريص على إقامة التوازن بين مختلف اللبنانيين ، ببناء صيغة تصون لبنان من غدر الزمن …فلا شيء أكثر ضرراً من التفكير والعمل على وجه واحد أو مستوى واحد أو محور واحد وهو هاجس السلطة اولا واخيرا!
لنحسن قراءة الواقع والتجارب، بحيث لا نعمل بمنطق الثنائيات التي ينقض بعضها بعضاً، أو بعقلية الأضداد التي يتواطأ بعضها مع بعض،
فالثنائيات، يا فخامة الرئيس ، هي موجودة لكي نصنع منها تراكيب وصيغاً مفيدة، مثمرة، بناءة… وإذا كان البشر يكادون يدمرون الطبيعة والبيئة الحيوية بالتلويث والتصحر والتبديد، فحذار أن يتوهم احدهم بانه يستطيع الانقضاض على المقاومة بنرجسيته وهوسه، بحمقه وجنونه، فعقلنة التصرفات والاهواء هي الابتكار الاجدى لقواعد التضامن والعيش المشترك.
^