تجربة “حركات الإسلام السياسي” في الحكم فشلت وبدرجة واضحة، وهي واقعة في أتون صراعات داخلية وتناقضات خارجية، وهي غارقة في وحل المشكلات والفقر والتخلف والبطالة وإقتصاداتها تواصل التدهور، أما النجاح في مثل هذا النموذج هو أقرب الى السراب.
في تركيا، بدأت الفرصة بالتلاشي أمام تثبيت ما حققته في السنوات الماضية “اقتصادياً وتنموياً ودستورياً”، ورحلة السقوط قطعت شوطاً بالتزامن مع الدور التركي في أحداث وأزمات المنطقة ومنذ اللحظة الأولى التي حاول فيها رجب طيب أرودغان، السير في مهمة ترويج نموذجه في المنطقة، والسقوط بدأ أيضاً، عندما انصرف حزب العدالة والتنمية إلى سياسة “الأسلمة” بدلاً من التركيز على سياسة الإنجاز الإقتصادي والخدمات وتوفير المناخ للإستثمارات.
أردوغان أصبح همه الكبير، كيف يصبح رئيساً لتركيا؟ خسر قواعده وأهليته وكفاءاته ونظافة يده، وقضايا الفساد تتراكم بالجملة، وخسر الدائرة الأهم من الإسلاميين (جماعة فتح الله غولن)، وظهر الخلاف المستتر والطويل بينه وبين الرئيس عبدالله غُل الى العلن، وحزب العدالة والتنمية يقف أمام مفترق طرق، إما عزل أردوغان والإطاحة به داخلياً، وإما أن يهوي الحزب كله مع سقوط أردوغان وهو قادم لا محالة.
تحاول تركيا “أردوغان” تلك الدولة والأداة في المنطقة أن تنصب نفسها وكيلاً أميركياً، دوره الأساسي تقديم الدعم السياسي والعسكري واللوجستي لكل المسلحين الآتين من أنحاء العالم لإستخدام الأراضي التركية مقراً وممراً للعبور الى سوريا، وهي وضعت أمامها هدف تشكيل منطقة عازلة جوية بعمق خمسة كيلومترات كأحد قواعد الإشتباك بعد إسقاط سوريا طائرة تركية انتهكت المجال الجوي البحري السوري في حزيران عام 2012 تشمل منع تحليق الطائرات السورية بهذا العمق، لكنها لم تجرؤ في حينها ترجمة هذا الهدف أو لعلها كانت تنتظر الفرصة المناسبة، لذلك، أن تعمد إسقاط طائرة حربية سورية داخل الأراضي السورية هو هدف سياسي بإمتياز وهروب نحو الأمام والهدف منه محاولة رجب طيب أردوغان تحقيق مجموعة من الأهداف في وقت واحد: فهو يواجه وضعاً داخلياً صعباً وسط فضيحة الفساد التي تحاصره ولا يعرف سبيلاً لتلافيها أو تخطيها، وفي ظل الصراع مع جماعة الداعية الإسلامي فتح الله غولين المقيم في الولايات المتحدة، يأتي هذا الحدث بالتزامن مع الإنتخابات البلدية التي يريد أرودغان من خلالها تغيير عناوين الحملة الإنتخابية وحرف الأنظار عن حجم الفساد المستشري في إدارته في إتجاه آخر، بإتجاه المسألة السورية بعدما توجهة الأنظار الى أوكرانيا، وهو يحاول أن يجذب حلف شمال الأطلسي الى موقف مؤيد لتركيا، وهو أيضاً يريد الإنتقام من سقوط يبرود وميحطها وخسائر المسلحين من العصابات المتمركزة في تلك المنطقة عبر التعويض بدعم لها في المنطقة المحاذية للحدود التركية.
ويكتسب التصرف التركي بذلك طابعاً مذهبياً من خلال اختياره منطقة الساحل السوري للرد عبر ما يسميه “المعارضة السورية” وهي تعكس نظرة أردوغان وحزبه المذهبية الى طبيعة ما يروج له للحرب الدائرة على الأراضي السورية والصراع في المنطقة.
المحاولة التركية لتوجيه الأنظار الى الدور التركي في المنطقة دونها عوائق وصعوبات ووقائع، وحسابات أردوغان لن تفيده في معركته الإنتخابية أو في إعادة تعويم مصداقيته التي فقدها بعد فضائح الفساد وبعد جملة القوانين والإجراءات التي اتخذها لكم الأفواه وإحكام السيطرة على القضاء والشرطة، ولأن الفضائح كبيرة الى درجة لا يمكن دفنها، وهي حرب بين أردوغان وخصومه ويضاف إليها فشل سياساته في المنطقة بعد أن انكشفت ألاعيبه أمام الشعب التركي وفي عموم المنطقة، أردوغان اليوم أعجز من أن يتمكّن من شن حرب على سوريا من دون دعم أميركي وغربي، وبعد أن انضمت جمهورية القرم الى روسيا، لن تفلح بالونات أردوغان من حرف الأنظار عن حقيقة دورة التخريبي في المنطقة.