أيام قليلة تفصلنا عن موعد انعقاد القمة العربية الدورية في الكويت، ولكن لا يبدو حتى الآن أن هناك معطيات تشير إلى إمكانية تراجع اسباب الفُرقة والتشرذم التي تسيطر على العلاقات العربية – العربية، فالتناحر والعراك أضحيا يمثلان السمة الغالبة على المشهد العربي الراهن، الذي ما فتئ يزداد تأزماً بعد سنوات قليلة من انطلاق ما سمي بعواصف “الربيع العربي” .
كان الأمل معقوداً في البداية على حراك الشعوب من أجل تفعيل الديمقراطية الحقيقية ،وكانت تطلعات الشعوب العربية متجهة صوب آفاق المستقبل، تحدوها رغبة عارمة في عبور مرحلة متقدمة في بناء الدولة الوطنية والمؤسساتوتكريس المواطنة التي تضمن المشاركة السياسية للجميع بناءً على قاعدة التداول السلمي للسلطة . أما الآن فنحن على أبواب مرحلة خطرة يكاد يغيب فيها الوعي بالمصير المشترك ويتراجع في سياقها الاهتمام بالأمن القومي العربي، حيث أصبحت الحسابات الضيِّقة تسيطر على اهتمامات قسم كبير من الدول الأعضاء الموقعة على ميثاق الجامعة العربية، بل إن هناك أطرافاً إقليمية باتت تتجرأ على المساس بأمن ووحدة بعض الدول العربية،من خلال تمويل التكفيريين بالعتاد والسلاح والاموال بهدف تأجيج الصراعات الداخلية ، ونشر بذور الفتنة بين ابناء الوطن الواحد ، مما ادى الى انعدام التوافق الذي لم يُزل عن القمم العربية .
الأخطر في كل ما حدث وما زال يحدث حتى الآن، هو أن عدد من الدول الخليجية باتت تملك استعدادات غريبة وغير مسبوقة من أجل الدخول في صراعات إقليمية داخلية، على حساب التحديات الخارجية التي تهدد الامة العربية والاسلامية ، ولم تعد بعض هذه الدول تجد حرجاً في إعلان تحالفها مع قوى تكفيرية من أجل حسم الازمة السورية لمصلحتها من دون التساؤل عن التكلفة والأثمان التي سوف تُدفع من أجل تحقيق هذا الوهم ،
كما أنه من الخطورة بمكان أن نرى دولا عربية وخليجية تروِّج للشعارات التي تدعم الصراع المذهبي والعرقي وتعتبره أهم وأخطر من الصراع الوجودي مع “إسرائيل”، إذ يمكن مع القليل من الحكمة والتبصر ونكران الذات أن نعيد إحياء الثقة والسلم الأهلي والاحترام المتبادل ما بين المكوِّناتالمختلفة للدول العربية.
لا شك أن بعض الأطراف العربية تخطئ خطأ فادحاً عندما تعتقد أنها ستحقق مكاسب عاجلة بفضل توظيفها لقوى التطرف والتكفير وجماعة “الاخوان المسلمين “، التي لا تؤمن أصلاً بمفهوم الدولة الوطنية، فهؤلاء الذين يدعمون التشدد لن يجنوا سوى الخراب والدمار، لأن من يبقرون بطون الحوامل ،ويعتدون على الاطفال لا يمكن أن يقيموا دولة مواطنة ولا أن يبنوا حضارة؛ إذ إن قيم الحضارة تستند في أساسها إلى مبادئ التسامح والحرية واحترام الاختلاف ، كما أن الديمقراطية والتداول السلمي على السلطة يجب أن يظلاّ مرتبطين بمدى مشروعية القوى التي بإمكانها أن تُؤمن بهذه المبادئ النسبية المتعلقة بقيم الحرية والمواطنة والحق في الاختلاف، وإلاّ تحولت صناديق الانتخاب إلى نعوش .
من الواضح أن مشهد القمة العربية المرتقبة في الكويت سوف يكون كسابقاته في موت رحيم ، ينقصه التصالح واللحمة بين دول الوطن العربي من المحيط إلى الخليج، من منطلق أن ما يجمع العرب هو أكثر بكثير مما يفرِّقهم ، ولكن ما أسهل على نبيل العربي أن يهرول غدا في الكويت من أجل استدعاء شيطان التفاصيل وتفجير نزاعات وربما عداوات قد لا تنتهي، ولكن ما أصعب في المقابل، أن تصدُق النوايا وتجتمع الإرادات الخيِّرة من أجل تجنيب امتنا العربية ويلات الدم والدموع .
^