منذ قديم الزمان كان الإنسان يفضل دائما أن يعيش في أمان وفي أكثر المواقع التي توفر له الامن والاستقرار. وكذلك الامرعلى الصعيد النفسي حيث تعززت غريزة الإنسان على التفكير بالأشياء الإيجابية لذلك رأيناه يمارس إنكارا مستمرا لما هو غير مريح راجيا في الوقت نفسه أن تختفي معالم عدم الراحة تماما.
ولكن في واقع الأمر، وحتى لو كان الإنسان في حالة تفاؤل دائم ويفضل الافتراضات الايجابية فإن الحقائق المزعجة ستبقى موجودة وفي كل حال سوف تؤثر على مستقبل الدول والمجتمعات ولا يجوز الاستمرار في نكرانها وتجاهلها، وفي حالة لبنان لدينا مثال واضح وهو النتائج المتوقعة من لجنة صياغة البيان الوزاري.
فبعد انقلاب الرئيس ميشال سليمان على المقاومة ووصفها بالمعادلة “الخشبية” الامر الذي اثلج قلوب فئة من اللبنانيين فيما اثبت صحة رأي جمهور المقاومة الذي لم يرض منذ البداية بحكومة تمام سلام ، اصبحت
الحقائق غير المريحة تواجه الجميع دون استثناء وان بدت الرغبة لدى كافة الاطراف المعنية في العمل الجاد للوصول الى بيان وزاري مع تمسك كل منهم بمطالبه ولكن مع إدراك فئة غير قليلة منهم بأن معظم أوراق اللعبة هي ليس بين ايديهم وهذا ما سيجعل من النتائج المتوقعة لدى فريق الرئيس سليمان في غير مصلحتهم.
الحقيقة الثانية هي أن عوامل رفض “المقاومة” ضعيفة وغير مؤثرة ومن الصعب مثلا تصور انفسنا من دون بيان وزاري يشرع اي عدوان اسرائيلي على لبنان ولا يدعو الى مقاومته ، لأن المجتمع اللبناني بات وبحق متمرسا على مقارعة العدو الاسرائيلي وقولا وفعلا ،وقد دخل الآن في مرحلة جديدة من مصارعة الارهاب التكفيري الذي لا يقل شأنا من حيث التدمير والقتل والخراب والدمار عن الاعتداءات الاسرائيلية ابلمتكررة على لبنان.
الحقيقة الثالثة هي أن الوضع العربي في اسوأ حالاته مما يعني أنه من العبث الحديث عن موقف عربي موحد يدعم خيار التمديد للرئيس سليمان . وإذا كانت أكثر المؤسسات العربية تماسكا في السابق (مجلس التعاون الخليجي) بدأت تواجه المشاكل الداخلية والإنقسامات (الخلاف السعودي – القطري) فإن الدول العربية وعلى المستوى القطري اصبحت ايضا تواجه في أحيان كثيرة خطر تحدي البقاء وليس دعم الرئيس سليمان في قصر بعبدا .
المصطلحات ليست هي المشكلة التي نواجها عند كتابة البيان الوزاري، بل ليخبرنا الرئيس سليمان عن اي وطن بديل يتحدث عندما يكشف عن وجهه في معاداة “المقاومة” ، التي ساهمت في وصوله الى كرسي الرئاسة الاولى ، ويعلن انحيازه الى التيار المعادي لها ولسوريا ؟
من الضروري في البداية تجاوز هواجس السلطة . من غير المنطقي الآن الحديث عن “انقلاب ” على “المقاومة ” بسبب الهجمة السليمانية عليها لأن مغامرات الماضي انتهت ولا يوجد أحد في المكون الداخلي يفكر جديا في تهديد “المقاومة” او الانقلاب عليها سوى لمطامع شخصية في منصب رئاسي او وزاري .
ما نحتاجه الآن نقل الحديث من الظل إلى الشمس وبمصطلحات واعية ومسؤولية وخطاب يعترف بالاحتمالات المتوقعة ولا يستمر في افتراض الآمال والطموحات. نحن جميعا في قارب واحد وعلينا أن نتشارك في الملاحة والعبور إلى البر الآمن.
^