الحديث يطول عن السياسات الأميركية المتبعة في العالم وفي الشرق الأوسط على وجه الخصوص، تنتقل من فشل الى آخر ومن دراسة الى أخرى وهي تبحث عن ضالتها من خلال رؤية قاصرة وآحادية وهي بذلك عديمة الجدوى، وأصبحت خياراتها محدودة بعد أن مارست إزدواجية المعايير تجاه المنطقة، فهي مع الإرهاب وضدّه في آن واحد، واللغة الجديدة هي التباكي على مآل الأوضاع في سوريا، إذ وصف مدير الأمن القومي الأميركي جيمس كلابر الوضع أمام الكونغرس بأنه “كارثة” تحرق القلب، والرئيس الأميركي باراك أوباما أقرّ أخيراً بمعاناة الشعب السوري، وقال: هذا سيئ للمنطقة وللأمن القومي الأميركي، وهو يريد الشيء ونقيضه ويمارس إزدواجية المعايير، وهو يتحالف مع الإرهابيين من أجل إضعاف سوريا وخدمة حليفه الصهيوني وإرضاء لحلفائه في المنطقة، وهو من ناحية أخرى يتفاهم مع الجانب الروسي لرسم إستراتيجية لمكافحة الإرهاب ولكنه يصطدم بالواقع عندما يعرض أولوياته حول مؤتمر جنيف – 2 المتعلق بالأزمة السورية.
وفي واقع الأمر، هناك إنطباع بأن الرئيس أوباما يستخدم وزير خارجيته جون كيري لإطلاق خطاب سياسي ولكنه يحتفظ لنفسه بخيارات أخرى ليست متطابقة مع الخطاب السياسي المعلن، ومن بينها التفاهمات الأميركية – الروسية.
والوصف المناسب لـ “أميركا” هو ما أطلقه رئيس مجلس الشورى في إيران علي لاريجاني عندما قال في ردّ على تصريحات مسؤولين أميركيين حول العقوبات “أنهم أنذال انتهازيون مستكبرون”، واعتبر أميركا “أشبه بزئير أسد عجوز يخاف أن يشن هجوماً”.
التصريحات الأميركية الجديدة بعد انتهاء الجولة الأخيرة من مؤتمر جنيف – 2 هي مجرد محاولة لإرضاء حلفائه في المنطقة من خلال وعود بدعم المعارضة “المعتدلة” في سوريا أو إعادة جرد للسياسات السابقة والتعرف الى أسباب فشلها، وبالطبع فالخيارات أمام الرئيس باراك أوباما ليس بينها بالطبع العمل العسكري وهو الذي سلّم مقاليد الحلول والتسويات الى قوى إقليمية كبرى أو أشركها في هذه الحلول، وفتح الباب أمام قوى صعدت لهجة التحدي، كما فعلت روسيا التي سلم لها بالدور الكبير.
وأصبح واضحاً أيضاً، أن فشل جنيف – 2 والخلاف على جدول أعماله، هو إنعكاس للخلاف بين الراعيين الروسي والأميركي، وكانت الإدارة الأميركية تراهن على إستنزاف روسيا وإيران في أزمة سوريا وفشلت فشلاً ذريعاً، وتلاقت مصلحتها معهما في وجوب مواجهة قوى التشدّد والتطرّف والإرهاب، لكن هذا التلاقي المرحلي لا يمكن التعويل عليه بعد.
ويمكن القول، إن مستقبل الأزمة السورية أو إيجاد الحلول، لن يتعلق بالخيارات الأميركية، بل ثمة عناصر وقوى أخرى وقد قالت روسيا كلمتها من خلال مواقفها المبدئية الواضحة وأنها ماضية في سياستها وهي تحقق الإنجازات، وكذلك الموقف الإيراني، وهو الحليف الصادق الوفي وأحد أركان محور المقاومة، والعامل الحاسم هو الوحدة الوطنية السورية والجيش السوري الباسل الذي سطّر أروع ملاحم البطولة والفداء.
والإدارة الأميركية وفي سعيها الى درس خيارات جديدة، مازالت تماطل وتتهرّب من إبرام صفقة مع روسيا يتم من خلالها سحب الأدوات التابعة لواشنطن من التداول، وهي تستغل ما يجري في أوكرانيا حيث تتصدّر أوروبا المواجهة بدعم أميركي، ومن المتوقع أيضاً، أن تلجأ واشنطن الى اعتماد خيار مماثل في سوريا والمنطقة بالتنسيق مع شركائها، وهذا يعني أن أوباما أمام تحدٍّ جديد في المنطقة، وهو خاسر بالتأكيد، لأن ما يجري على أرض سوريا هو عدوان أميركي – صهيوني مموّه بأدوات إقليمية لبست لبوس الدين وهي منه براء، أما الحل الحقيقي فهو الحل الذي يحققه السوريون فيما بينهم من خلال الحوار والإستفادة من كل التجارب السابقة.