تلعب الظروف الإقليمية والعربية في غير مصلحة القضية الفلسطينية، ويكفي النظر في الجهود التي يبذلها وزير الخارجية الأميركي جون كيري من خلال جولاته المكوكية الى المنطقة، كيري هذا مصمّم على تحقيق إنجاز سياسي تاريخي يختم به حياته السياسية، فهو مهووس بالتوصل الى حل ويسعى لإرضاء اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة قبل الإنتخابات النصفية للكونغرس الأميركي، وبالتأكيد فإن أي خطة أو خطوة يقترحها كيري لن تكون في مصلحة الشعب الفلسطيني، سواء أكان “إتفاق إطار” أو معاهدة سلام أو ما شابه ذلك.
وتراهن الإدارة الأميركية على ضعف الوضع العربي، وسعي الدول العربية الحليفة للولايات المتحدة الى حل القضية الفلسطينية بأي شكل من الأشكال، وتلك الدول تحاول التطبيع العلني مع الكيان الصهيوني وصولاً للتحالف معه وتغيير إتجاه البوصلة ونقل الصراع الى مكان آخر بإتجاه إيران الداعم الأكبر للقضية الفلسطينية.
ويبدو أن رغبة الولايات المتحدة من إنجاز أي حل للقضية الفلسطينية على حساب الشعب الفلسطيني هي رغبة ناجمة عن تراجع التأثير الأميركي في مصر وسوريا والعراق، وكذلك الإستفادة من حالة الضعف الفلسطيني وقابلية السلطة الفلسطينية للإستجابة للضغط خشية من انهيارها، وهذا سيشجع “إسرائيل” لعدم إضاعة الفرصة التاريخية التي من الممكن ألا تتكرّر بفرض حل يحقق جوهر الشروط والإملاءات الأميركية والإسرائيلية، وتلعب الظروف المحيطة دورها في ظل توافق إقليمي دولي لحل النزاعات والصراعات في المنطقة بشكل سياسي، وتحت ذرائع مثل نزع فتيل الإنفجار الكامن في القضية الفلسطينية، وما يعزّز هذا التوجه أن أطراف اللجنة الرباعية الدولية قدّمت الدعم لأفكار كيري، وصرّحت كاترين أشتون بأن الإتحاد الأوروبي سيقدم دعماً غير مسبوق للطرفين الفلسطيني والإسرائيلي في حال التوصل الى “إتفاق إطار”.
وإذا فرضنا، أنه من الصعب على السلطة الفلسطينية رفض ما سيقترحه كيري من دون دعم “عربي” من الجامعة العربية؟ فكيف إذا كان هناك ضغط وتشجيع “عربي” على قبول ما يقترحه كيري وعلى أساس أن رفضهم سيضعهم في وضع أسوأ جراء الضغوط والعقوبات الأميركية والأوروبية والعربية.
وسيحاول هؤلاء جميعاً تسويق أي إتفاق أو إقتراح يطرحه الراعي الأميركي وسيقال عندها، إن المطروح الآن ليس حلاً نهائياً، وإنما “إتفاق إطار” وأن هناك صياغات وتخريجات ستمكن كل طرف من الإدعاء أنه حقق جزءاً هاماً من مطالبه.
وفي كل الأحوال، ستكون الصياغات الغامضة هي تلك المتعلقة بالمطالب الفلسطينية، أما الصياغات الواضحة فهي تلك التي تضمن أمن الكيان الصهيوني والاعتراف بـ “يهودية إسرائيل” والترتيبات التي تضمن أمنها وتعويض اللاجئين اليهود الذين غادروا الدول العربية في العام 1948 وهذا ما أكده المبعوث الأميركي الى اتفاقية التسوية مارتن أنديك ونقلته صحيفة “نيويورك تايمز” عند لقاء أنديك مع قادة مجموعات يهودية في الولايات المتحدة الأميركية.
وفي الإقتراح الأميركي لـ “اتفاق الإطار” ما يتعلق بالمستوطنات الإسرائيلية المقامة على الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية والقدس الشرقية، نقلت صحيفة “واشنطن بوست” عن أنديك قوله “إن 75 في المئة من المستوطنين لن يغادروا الضغة الغربية المحتلة، ما يعني أنه ستتم إعادة رسم الحدود بما يضمن بقاء هؤلاء تحت السيادة الإسرائيلية”.
وبين أخذ ورد، فإن سيناريو تمرير الإتفاق المقترح قد بدأ فعلاً وسيعرض “إتفاق الإطار” بوصفه وجهة نظر أميركية، يتم فيها تمديد المفاوضات الى ما بعد نيسان 2014 من أجل التوصل الى إتفاق، ما يجعل المعروض عملياً المرجعية الجديدة التي يجري العمل على تمريرها.