قدمت الإدارة الأميركية حليفها “الإئتلاف” كي يمثل ما يسمى “المعارضة” في مؤتمر جنيف – 2، بالرغم من أنه كان يرفض دائماً الحل السياسي التفاوضي للأزمة السورية، ولم يوافق أصلاً على بيان جنيف – 1 الذي من المفترض أن تجري المفاوضات في المؤتمر على كيفية تطبيقه، والسؤال كيف لهذا “الإئتلاف” الذي اتّخذ قرار المشاركة قبل أربعة أيام فقط من بدء أعمال المؤتمر في 22 كانون الثاني، أن يشكل وفداً تفاوضياً ذا مصداقية يشمل جميع أطياف المعارضة السورية كما ينص بيان جنيف – 1. بالتأكيد هذه الوضعية، هي مجرد أذن صاغية تنصت وتتلقى ولسان يلفظ بما يسمعه من أوامر.
وفي الوقائع، إن أطرافاً عربية وإقليمية ودولية ليست متحمسة أصلاً لمؤتمر جنيف – 2 وللحل السياسي للأزمة السورية، وهي على الأرض تقوم بكل ما يعيق ذلك من خلال تدخلها المباشر في تحريك خيوط “الإئتلاف” والعمل على فرض السيناريو المعد سلفاً وتنفيذ الأجندة المرسومة.
والسؤال أيضاً، أين ذهبت أقوال الأخضر الإبراهيمي (ممثل الأمم المتحدة والجامعة العربية) بأن المعارضة ستمثل بوفد موحد يضم ممثلين عن “هيئة التنسيق” و”الإئتلاف” و”الهيئة الكردية العليا”؟
وبعض الدول المشاركة في الحرب ضد سوريا عبر الأدوات المحلية والعصابات العالمية، منعت حلفائها من مكونات “الإئتلاف” لرفض المؤتمر، والتهديد بإنسحابهم من “الإئتلاف” إذا وافقوا على المشاركة، ولكنها عادت وتراجعت بعد ذلك نتيجة تأزم أوضاعها الداخلية، ورغبة منها بإعادة تنشيط علاقاتها مع إيران في ظل الموازين الجديدة.
وحاولت قطر منع “الإئتلاف” من المشاركة في جنيف – 2 من خلال سحب جماعتها منه وفي الشكل احتجاجاً على إعادة انتخاب الجربا.
أما السعودية، وهي اللاعب الأبرز في المسرحية، اتّبعت تكتيك المماطلة من أجل كسب الوقت وانتظار إشارة اللاعب الأميركي الذي بدأ يستشعر خطورة نمو الحركات الإرهابية في سوريا على استقرار المنطقة كلها وعلى مصالحه، وكان رضوخ الجميع لمشيئة اللاعب الأميركي، وأعطيت الأوامر وتمّ الضغط على “الإئتلاف” للمشاركة في مؤتمر جنيف – 2 ولم يتورعوا عن استخدام التهديد بقطع الدعم عنه في حال عدم المشاركة.
أراد اللاعب الأميركي من وراء الستار أن يسجل بعض النقاط لصالحه من خلال عقد مؤتمر جنيف – 2، تكريس إحضار “المعارضة” ممثلة بـ “الإئتلاف” للتستر بها كواجهة وللتنصل من فعلته ودوره في الجرائم التي ارتكبت بحق السوريين من خلال دعمه المجموعات الإرهابية ومحاولة منه لإدارة الأزمة والخروج منها ببعض المكاسب، ويحاول اللاعب الأميركي أيضاً تثبيت مرجعية المؤتمر حسب بيان جنيف الموقع في 30 حزيران 2012 وحسب الرؤية الأميركية وقراءتها، وهنا كان الموقف الرسمي السوري واضحا، “بأنه أقر مرجعية جنيف – 1 وتطبيق البيان كرزمة واحدة وأولها وقف تمويل وتسليح العصابات المسلحة وإغلاق الحدود في وجهها، وإعتراضه أيضاً على عدم شمول وفد “المعارضة” لأطراف المعارضة في الداخل، وأشار الى تشكيل حكومة موسعة وإشراكها فيها.
يبدو أن المفاوضات ستكون طويلة، وسينتظر الأخضر الإبراهيمي طويلاً، ولديه الفرصة لإطالة المسرحية واللعب على عامل الوقت بإنتظار تطورات ميدانية أو تغيرات إقليمية ودولية.
الموقف الروسي ثابت وواضح وباب السجال مازال مفتوحاً مع الأميركي والخلاف حول جوهر بيان جنيف1 الذي ظل كامناً يدخل الآن ويدور الصراع حول تفسير آلياته وماهيته.
ما يمكن قوله، الحل الوحيد للأزمة السورية هو بيد السوريين وحدهم بالرغم من ما حصل من خلط لأوراقهم، الحوار بين السوريين أنفسهم هو الوسيلة الوحيدة لإخراج البلاد من أتون الصراع الذي يستفيد منه أعداء أمتنا، والخروج من هذا المستنقع بات مطلباً ملحاً، لأن مسلسل جنيف سيطول أكثر الى ما لا نهاية.
@@@