ينعقد مؤتمر جنيف،2 بحضور حشد كبير من الاطراف الاقليمية ، وبرعاية أمريكية – روسية في ظل احداث وظروف لم تشهدها الساحة العربية من قبل ان لجهة الفوضى المتنقلة في اكثر من بلد عربي ،او من حيث تمادي الارهاب والاجرام والقتل على ايدي التكفيريين العابرين للاقاليم.
وقد عكست كلمة وزير الخارجية السوري، وليد المعلم، ورئيس الائتلاف السوري، أحمد الجربا بالجلسة الافتتاحية، تباعد المسافة، بين رؤية النظام و”المعارضة” للأزمة أولاً، وبالتالي للهدف من وراء انعقاد المؤتمر .
رفع الفريقان المتفاوضان سقف مطالبهما، فالوفد الممثل للشعب السوري ، بدا متمسكا بسيادة بلاده وبشروط الديمقراطية التي تعطي المواطن السوري وحده حق انتخاب رئيس للجمهورية ،رافضا بالتالي ما يحكى عن مرحلة انتقالية وبالتالي تنحي الاسد عن سدة الحكم ، مشددا على معالجة قضايا اخرى مثل الإرهاب، والمساعدات الإنسانية، وتأجيل الملف السياسي ،مقترحا رفع حصار الجيش عن المناطق الواقعة تحت سيطرة المعارضة، والعمل فوراً على إرسال الأطعمة والأدوية والحاجات الضرورية اللازمة للمتضررين.
بالمقابل طرح “الائتلاف الوطني السوري”، شروط غير واقعية، وغير متجانسة مع توازن القوة على الأرض ،لذلك كان من الطبيعي ان لا يحصل “الائتلاف” عبر طاولة المفاوضات ما عجز عن إنجازه بالميدان، فشرط إزاحة الرئيس الأسد عن النظام الذي طرح في بداية المؤتمر ربما يكون من باب التكتيك السياسي ، ومن باب رفع سقف المطالب، ولكنه غير واقعي في ظل الخلل بتوازنات القوة العسكرية بين الطرفين، لمصلحة النظام .
الحلول السياسية، هي في طبيعتها اعتراف بعجز المتصارعين ، عن حسمه لمصلحة أي منهم . وحلول كهذه تقوم في الغالب، على تسويات ومساومات، وتنازلات يقدمها الطرف الأضعف . والقبول بالعملية التفاوضية، ينبغي أن يكون مبنياً على هذه المسلمة، وألاّ يستغرق كثيراً في الأوهام .
والحقيقة التي ينبغي أن تكون حاضرة لدى مختلف الفرقاء، هي أن “الاتلاف” وجميع مكوناته التكفيرية فشلوا في تحقيق أهدافهم . فقد توهمت “المعارضة”، أن يؤدي حراكها لانحياز المؤسسة العسكرية لها، كما حدث في تونس ومصر وليبيا، بما يؤدي إلى تفكك السلطة، ولكنها رغم الدماء الغزيرة التي سفكت، عجزت عن تحقيق أهدافها .
“المعارضة” استقوت بقوى التطرف والتكفير ، من “داعش” وجبهة “النصرة”، وما إلى ذلك من تسميات، وبذلك أقدمت على مغامرة خطرة، أفقدتها كثيراً من أوراقها، وأدت لفقدانها ما كسبته من تعاطف دولي، وقد لعبت الصور المرئية دورها .
فقد كانت “المعارضة” تزعم باستمرار عن “إرهاب” النظام، وتبرز نفسها في صورة الضحية، رافعة شعار السلمية، لكن ما نشر من صور مروعة، لمذابح نفذتها عناصر إرهابية، ،كما أن الخراب والتدمير، واحتراب الأطراف المتطرفة مع بعض، وتشرد ملايين السوريين، أفقد “الائتلاف” المسلح حواضنه الاجتماعية . فالناس في الأخير يناضلون من أجل العيش الأفضل، وليس في حسبانهم أن تؤدي الأحداث إلى خسارتهم كل شيء، بما في ذلك مساكنهم وممتلكاتهم، بل وأرواحهم.
لقد عانى العالم بأسره الإرهاب، ويتخوف كثيراً من تحول سوريا إلى قاعدة آمنة للإرهاب، وإلى منطلق للإرهابيين، لتهديد السلم في العالم . وقد عبر وزير الخارجية الأمريكي جون كيري ، عن هذا الخوف بمرارة، مشيراً إلى أنه حين يكون الخيار بين الإرهاب وبقاء النظام، فسيكون بقاء النظام هو الخيار. .
يحظى النظام بدعم عسكري قوي من قبل روسيا والصين وإيران، لا يقابله نظير على الجانب الآخر . فالجماعات الارهابية تتلقى دعماً عسكرياً من المتعاطفين معها من دول خليجية وغربية ، في شكل أسلحة خفيفة، بينما يتلقى النظام مختلف أنواع الأسلحة الثقيلة، ومختلف أنواع الدعم.
أوراق المعارضة، باتت تتمثل في تعاطف دولي باهت ودعم خليجي ينشد تدمير سوريا دون ان نغفل ما تتلقاه المعارضة من تأييد ومساندة اردوغان الذي يعيش هاجس الفساد الذي اجتاح فريق عمله الحكومي وبات يهدد مصير حكمه.
الحل العملي المنتظر من جنيف 2 هو الذي يحقق التوازن بين العملية السياسية ووقف نزيف الدم ورفع معاناة السوريين . العملية السياسية لن تكون سهلة، ولن يكون مقبولاً التلهي بشروط الجربا فما لم يتمكن “الائتلاف “ومعاونيه مجتمعين من تحقيقه في ساحة الحرب، سيكون أعجز عن تحقيقه على طاولة المفاوضات .
والبديل لصناعة مستقبل سوريا الجديدة، هو تحقيق شراكة بين مختلف الفاعلين في السياسة السورية، على جبهتي النظام والمعارضة، عبر حكومة جامعة ، ولانتخابات رئاسية وبرلمانية، ولتأسيس حياة سياسية جديدة، تقوم على التعددية ،وتؤمن الكرامة الإنسانية، وتعزيز مفهوم المواطنة بين الجميع من ضمن احترام سيادة سوريا وعدم التدخل في شؤونها الداخلية . .
وحدها صناديق الاقتراع هي السبيل الوحيد لعدم استمرار مأساة السوريين، وعلى جميع الاطراف الدولية والاقليمية الاقتناع بذلك الحل في ظل اوضاع المنطقة التي هي أشبه بالرمال العاتية المتحركة، فعسى أن تتغلب الحكمة على التكفير ، وينتصر العقل على اصحاب الرؤوس الحامية.
^