همست “ماريا” في البدايه..لا ارتباك! لقد نظرت الى صورة سماحة السيد حسن نصرالله من قبل واصبح بالنسبة لها حلما واضح الملامح دافئا و قريبا،ثم مرت ايام وعادت تسكن صاحب الصورة ،و كلما اقتربت من طيفه استباحتها نسمة من الانتظار القلق كأنه الموعد الاول تماما،يخفق له قلبها كأن كلماته صارت اقرب فأقرب،تجلس وحدها على الاريكة تبدأ ترتيب المواعيد،تمسك بدفاتر المدرسة لتقلب وجهها فيها الف مرة و مرة، تختزل الوقت و تبحث عن فسحة مع بنات جيلها تُلهي نفسها بها، فبعض الاشياء التي انتظرتها بلهفة و سعيت نحوها خيبتتها،و كثيرا من الاشياء التي لم تخطط لها كانت اكثر نقاء و ثباتا وصدقا و دهشة..
طقس دافئ.. فنجان شاي ساخن… وكثير كثير من النشاط ،و تتأمل،فاذا بها تتراكض بين الدقائق لهفة ! كم هي الشهادة في زمن الشباب غالية وبريئة، كأنها الان فقط عادت الدماء الى عروقها..صلـّت وحلمت فها هو مصير الشهادة في لحظة الصدق لا مفر منه..هو ذوبان عند الاعتراف.
كررت “ماريا” مشهد الوداع الاخير مرة تلو مرة، رسمت الكثير من الصور وفي احيان اكثر تاهت منها كل المعالم و لم تبقَ الا تلك النقطة التي جمعتهما في نظرة واحدة و تكاد لا ترى شيئا غير الشهادة .ها قد بعثرتها نيران التكفير لتسرقها على جناح ريح اللحظة، ومن احلام الصبية لتدفن قرب الشهداء الابرار من اطفال وشباب ونساء وشيوخ فيشهق الباب لحظة دخول عطرها و تحتفي قوافي الشِعر بيده حين يسرّح شعرها و يعلق اكليلا من الزهور على مدخل صومعتها الابدية.
ولازالت والدتها لا تصدق انها هي ، “ماريا” ابنة 18 ربيعا وانها ستعلن احتياجها الازلي لها،حالمة ملّونه بالحنين فقلبها مدينة رائعة ولكنها باتت مبلله بمطر الانتظار حتى يهل،فهل درى هو بحالها؟
انها احلام فصل الشتاء..اطلقت ذهنها وعادت لتسرح في صمت الغرفة يحكي.
هكذا هو الشوق يغني ترانيم الشجن على شمس تلطخت بلون الاحمر الصافي وتزدحم من تحتها نقاط الاحرف من كلمات العزة والشرف والصمود ،فتولدت منها معاني الصبر والايمان التي سقتها “ماريا” بأنفسها كنسج لاول خيط من مهد حلمها الذي تجلّى في زهرة حتى عانقت اجفانُها النوم و ارتحلت الى خلف الافق .
وهكذا…تنهي “ماريا” حياتها على وقع رسائل التكفيريين الدموية ،فما حاجتها للوتر و لغة العين يسكنها النغم المقاوم وهما اصبحا اثنين يضبطا ساعات الفرح واللقاء القريب كلما هبت نسمة موعد لو بالحلم! لو بالخيال..!
^