بات من شبه المؤكد ان أن يُعقد مؤتمر “جنيف2” في سويسرا يوم الأربعاء المقبل ، وسط تعليق آمال كبيرة من قبل راعيي المؤتمر، واللاعبين الرئيسيين في الأزمة السورية، وهما الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، إضافة إلى لاعبين مهمين آخرين مثل الجمهورية الاسلامية في إيران والمملكة العربية السعودية ، لكن مجرد الآمال لا تكفي لحل أزمة معقدة تجاوزت طرفي النزاع أي النظام والجيش السوري الحر ، لتشمل أطرافاً اخرى ، عربية وغير عربية، تنضوي تحت مسميات تُطلق على عشرات التنظيمات والفصائل والألوية والكتائب والجماعات التكفيرية وغيرها، وما يزيد الأزمة تعقيداً خروجها عن المطالب بإصلاح النظام السوري أو أخرى تتعلق برحيل نظام الأسد، ودخولها في دائرة أوسع بكثير، فهنالك تكفيريون مثل “داعش” و “جبهة النصرة” يطالبون بإنشاء دولة الخلافة، أو على الأقل دولة تطبق الشريعة الإسلامية وفق رؤاهم وتصوراتهم، وهنا تصطدم التوجهات والغايات والأهداف حتى وصلت إلى نشوء تصادم مصالح بين مكونات “المعارضة ” ذاتها، أي بين “الجبهة الإسلامية” من جهة و”داعش” من جهة أخرى، مع تراجع كبير للجيش السوري الحر، الذي انضوى جزء منه تحت لواء الجبهة الإسلامية، الامر الذي يؤكد علىى حقيقة الانقلاب الذي نَفّذته ادارة اوباما بدءاً من أيلول الماضي انطلاقا من مصالح استراتيجية لواشنطن وهو يأخذ عنواناً واضحاً في المرحلة الراهنة على أساس محاربة الارهاب ليس فقط في سوريا وانما ايضا في لبنان ومصر والعراق وليبيا وتونس .
هذا الامر من شأنه تبديد كل الاشاعات التي تتحدث عن رغبة اميركية في إرساء عملية ضرورية لتشكيل هيئة انتقالية حاكمة تتمتع بكامل السلطات التي يتم وضعها من خلال الرضا المتبادل بين الاطراف المشاركة في المؤتمر ،
ويبدو أن ما اشار اليه جون كيري وزير الخارجية الاميركية في هذا السياق عن عدم مشاركة الرئيس الاسد في اي حكومة انتقالية لا يغدو في الحقيقة اكثر من تكتيك سياسي لجر “المعارضة ” الى “جنيف 2 “، الامر الذي يؤكده ما كشف عنه نائب وزير الخارجية السورية فيصل المقداد، عن وجود اتصالات لمسؤولي استخبارات غربية مع النظام لمواجهة التطرف والإرهاب ،مما يعني اعادة التأكيد من الجانب الروسي والاميركي على الدور الاساسي للرئيس الاسد في المرحلة المقبلة كشريك اساسي في مكافحة “تنظيم القاعدة”.
هذا ما عادت واكدت عليه مسؤولة الشؤون الإنسانية والتعاون من أجل التنمية “كريستالينا جورجيفا” عندما ابدت في حديث لقناة “العربية ” عن قلقها من تدهور الوضع بشكل عام في سوريا، بعد ان بات تعدد المجموعات المسلحة لا يساعد على إطلاق مفاوضات السلام، فضلا عن وجود معطيات تشير الى التعب والشعور بأن الوضع لا يمكن أن يستمر إلى ما لا نهاية ،مؤكدة أن الأزمة السورية لا يمكن أن تحل إلا من خلال عملية سياسية، وهذا ما يرفضه سلوك التنظيمات المتشددة التي تحاول السيطرة على أكبر قدر من الأراضي والمدن والقرى لتركيز قوتها وإنشاء ما تسميه الخلافة الإسلامية أو الدولة الإسلامية في العراق والشام .
لذلك يؤكد عدد من المحللين والمتابعين أن مؤتمر “جنيف2” لن يكون العصا السحرية في ظل الوضع الميداني في سوريا، وتشدّد الأطراف في مطالبها، واختلاف رؤاها الإيديولوجية، وبالتالي، فإن الأطراف التي ستحضر المؤتمر، ومن بينها الائتلاف السوري (في حالة حضوره)، الذي لا يمتلك قوى على الأرض، لن يتمكن من فرض كلمته على الفصائل التكفيرية المشاركة في القتال التي وصلت إلى حد التناحر.
بالمقابل ، فإن النظام السوري الذاهب إلى “جنيف2” بمعنويات عالية نتيجة تشرذم المعارضات المسلحة وتسيّدها من قبل المتشددين، يشعر بأنه مدعوم من القوى الاقليمية والدولية المحاربة للارهاب وبالتالي يشعر بأنه البديل الوحيد حالياً لقيادة مرحلة المصالحة واعادة بناء سوريا ،وهي مرحلة قد تستغرق وقتاً طويلاً، ولكنها باتت موضع ترحيب من قبل الجميع على أقل تقدير.
أيام قليلة تفصلنا عن مؤتمر “جنيف2” ولا يزال الحوار يتم عبر التصريحات الإعلامية، بينما هناك حرب من نوع آخر تدور رحاها بين “داعش” ، وبين “الجبهة الإسلامية”، وهي معركة لم يسلط عليها الإعلام الخليجي والغربي الضوء بما يكفي لكشف مثل هذه الممارسات الدموية من قبل هذه الأطراف المتصارعة والتي راح ضحيتها أكثر من ألف مقاتل متشدّد، وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان، ناهيك عن عمليات الإعدام والخطف والاغتيالات والتفجيرات.
“جنيف2” لن يكون العصا السحرية، ولن يتمكن من وضع حل قابل للتطبيق في غياب الأطراف الاقليمية الفاعلة المؤثرة في الازمة السورية ، وهي الأطراف التي يجب أن تساهم في تطبيق وقف إطلاق النار في حال صدوره عن “جنيف2″، تمهيداً لتشكيل الحكومة العتيدة. ، ولكن ، فإن “جنيف2” سيناقش مثل تشكيل هذه الحكومة في الظاهر، لكنه تحت الطاولة، سيناقش الحرب على الإرهاب .
^