في ظل ما تعيشه المنطقة من ازمات وحروب ،تشهد الساحة اللبنانية صراعا تنافسيا يُهدد بانفجار كبير بين مكوناته السياسية والحزبية في ظل ضغوط إقليمية متزايدة.
فلبنان اليوم في دائرة التجاذبات الإقليمية،التي تتحكم بدورها في شكل وفي مضمون الحكومة المرتقبة ،وفي مصير رئاسة الجمهورية التي ستدخل في فراغ قاتل بعد 25 ايار 2014 ما لم يتم الاتفاق بين الاطراف المعنيين على رئيس جامع للجمهورية في ظل برلمان ممدد له دون اسباب دستورية موجبة.
هكذا وبعد مرحلة طويلة من التريث والاحباط واطلاق الوعود بتأليف حكومة جامعة ،خرج الرئيس المكلف تمام سلام عن صمته للحديث جدياً عن تأليف الحكومة العتيدة ،وقد بدأت فعلاً مرحلة تحديد الأسماء، وتوزيع الحقائب، وبلورة الخطوط العريضة للبيان الوزاري الذي يُسيّر شؤون الحكومة المرتقبة. وذلك يعني أن القوى الإقليمية والدولية حريصة على استقرار لبنان وتجنيبه المزيد من الاضطرابات.
أبرز التشكيلات المقترحة توزيع الحصص في الحكومة الجديدة بنسبة ثمانية وزراء لكل من حزب الله وأمل والتيار الوطني الحر وحلفائهم، ونسبة مشابهة لتيار المستقبل وحلفائه من الاحزاب المسيحية ، وثالثة مشابهة أيضاً لكتلة ما يسمى ب”الوسطيين” التي تضم رئيس الجمهورية والنائب وليد جنبلاط ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي.
وعلى الرغم من هذه الصيغة الا ان فرص التأليف تتأرجح صعوداً وهبوطاً بين التفاؤل والتشاؤم. فهل تضم الحكومة العتيدة ممثلين للأحزاب السياسية الفاعلة على الساحة اللبنانية أم تكون غير حزبية؟. وهل سيكون هناك ثلث معطل؟ وهل تسمح الطوائف الكبرى بأن يسمي سليمان وزراء منها كوسطيين لا يرتبطون بطوائفهم؟ وفي حال فشل التوافق، هل ستشكل حكومة تكنوقراط من موظفين كبار؟ علماً أن تشكيلها يعتبر تحدياً للكتل النيابية ذات الوزن في المجلس النيابي والتي ترى أن المرحلة الدقيقة التي يمر بها لبنان بالغة الخطورة وتحتاج إلى حكومة أقطاب، وليس إلى حكومة تكنوقراط يمكن القبول بها في مرحلة الاستقرار الداخلي وفي ظروف إقليمية ملائمة.
في الوقت عينه، يعمل بعض المسؤولين على تدوير الزوايا لتأليف حكومة وفاق وطني جامعة. ويطالبون القوى السياسية بالابتعاد عن التشنج السياسي والشحن الطائفي، ويرفضون عزل أي طرف سياسي مهما كانت الأسباب والذرائع. فسياسة العزل الموصى بها من دول خليجية وغربية مرفوضة بالكامل،خاصة وان التجارب السابقة في لبنان اثبتت أنها مستحيلة وعديمة الجدوى ، وتهدد أمن لبنان واستقراره، كما أن سياسة التحدي والاستقواء بقوى خليجية ودولية مدانة من جميع اللبنانيين.
لذلك حرص رئيس مجلس النواب نبيه بري ، على رفض سياسة التحدي، أو الاستقواء بالخارج، وعدم إقصاء أي طرف سياسي عن التشكيلة الحكومية. وطرح مبادرته لتشكيل حكومة وطنية جامعة،على اعتبار ان عدم التوافق على حكومة جامعة يُشكّل خطراً إضافياً على أمن لبنان واللبنانيين في ظل الهجمة التكفيرية على المنطقة . ام تهديد رئيس الجمهورية ميشال سليمان بحكومة الأمر الواقع فهذا مؤشر على عدم دستورية الطرح وشرعيته وميثاقيته. وفي هذا الصدد نسأل سليمان :كيف تدير حكومة لا تراعي فيها التوازنات السياسية والطائفية والمذهبية والمناطقية للحفاظ على الصيغة اللبنانية المبنية على التعدد الطائفي والتنوع المذهبي، واحترام الدستور؟
وهل يعقل ان يغفل فخامة الرئيس عند توقيعه مرسوم تشكيل الحكومة عن مراعاة توزيع القوى السياسية داخل مجلس النواب الذي له وحده حق منح الثقة للحكومة أو حجبها عنها في حال لم يقتنع النواب بدستوريتها، وببيانها الوزاري، أو مخالفتها لميثاق العيش المشترك بين الطوائف اللبنانية؟
يبقى إن تشكيل حكومة سياسية جامعة لا تستثني أحداً، وتعتمد مبدأ المداورة في تولي جميع الحقائب الوزارية هي أفضل الصيغ المتاحة أمام اللبنانيين.
والحكومة التوافقية الجامعة ضمانة وطنية في حال تعذر إجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها. وهي الوحيدة المؤهلة لنيل ثقة مجلس النواب ، وإصدار مراسيم استخراج النفط اللبناني وتسويقه. في حين أن حكومة سليمان سوف تتعرض في حال تشكيلها لطعن دستوري في ميثاقيتها وتمثيلها السياسي، وتزيد من حدة الأزمة السياسية، وتهدد استقرار لبنان وأمن اللبنانيين. والأخطر من ذلك أنها تدخل لبنان دائرة الخطر الشديد في ظروف إقليمية ودولية متفاقمة.
لذلك يأمل اللبنانيون أن يكون رئيس الجمهورية قد احجم عن خطوته غير الدستورية لمصلحة تشكيل حكومة جامعة وقادرة على جمع الكتل النيابية الفاعلة لاختبار حلول وطنية تحصن لبنان وتحمي وحدة أرضه وشعبه ومؤسساته.
^