في لبنان، الكل مأزوم دون شك، وإن بدا البعض أقل شعورا بالأزمة من سواه، لاسيما أولئك الذين يجدون في الهجوم التكفيري على اللبنانيين فرصة لخطبهم التحريضية والمذهبية ولجني المكاسب، كما هي حال الرئيس فؤاد السنيورة ، وإن بدا ذلك أيضا مرحلة عابرة، لأن الحريق حين يمتد لا يترك أحدا في غالب الأحيان، لاسيما حين يكون البيت صغيرا كما هي حال البيت اللبناني.
كل الجعجعة التي يبديها نواب في تيار المستقبل على خلفية شعورهم بأن نظام الرئيس السوري بشار الاسد لم يعد في وارد السقوط السريع، لا تعبر عن حقيقة الموقف، فهؤلاء لا يعيشون هواجس سوريا وحدها، وإنما هواجس العودة الى حقيقة الواقع الجديد الذي يرتسم على ايقاع التفوق الروسي في المنطقة واتفاق الجمهورية الاسلامية في ايران مع الغرب ، وما سيترتب عليه بعده.
وما ينبغي قوله هنا ايضا هو أن استهداف المدنيين في كل مرة من جهات تكفيرية ومتطرفة لا يمكن أن ينصر أية قضية عادلة، والرد على تدخل حزب الله في سوريا الى جانب شعب يواجه كل اشكال الاجرام والارهاب ، لا يمكن أن يتم بالمفخخات هنا وهناك، حتى لو كانت في مناطق تتبع الحزب من الناحية العملية، ولا يسكنها سوى أنصاره.
يبقى ان هذا اللون من الممارسات ليس نتاج أفكار، بل نتاج ظروف سياسية، ولو لم يكن هناك عدوان على شعب سوريا تشارك فيه دول غربية وخليجية ، ولو لم يكن هناك إصرار على تحويل سوريا الى مستنقع للتكفيريين والمتطرفين لما حدث كل ما حدث في لبنان.
كل ذلك، يعني بطبيعة الحال أن معسكر 14 آذار ، إن جاز التعبير في وضع غير مريح، فهو يعيش أزمة كبيرة ، على ابواب الاستحقاق الرئاسي كما يبدو في حالة شرذمة وبؤس غير مسبوق، في غياب رمز يلتف الناس من حوله، وفي ظل استقطاب الجماعات المتطرفة لشريحة غير قليلة من معجن تيار المستقبل وتلاعبها بهم من خلال المال الخليجي الذي يتدفق ولا يزال على لبنان، ويشتري آخرين في أماكن عديدة أيضا.
والنتيجة التي يمكن التوصل إليها من هذا المشهد المعقد هو أن ما يجري في لبنان ما هو إلا انعكاس لما يجري في المنطقة، أكان الصراع مع المشروع الاميركي ، أم الصراع بين مسيرة الاعتدال وبين الجماعات التكفيرية ، أم الصراع الدولي على مواقع القوة والنفوذ في المنطقة.
ومن دون أن يصل هذا الصراع إلى محطة تهدئة، أو ربما حسم يبدو مستبعدا، فإن أزمة لبنان ستتواصل في ظل حالة حشد فتنوي غير مسبوق في عموم المنطقة، إلى جانب صراع بين قوى الشعوب الراغبة في الحرية، وبين أنظمة الثورة المضادة التي تعتبر أولويتها هي مواجهة الجماعات الارهابية.
يبقى القول، إن السبب الأكبر فيما يجري هو سياسة عدد من الدول الخليجية وحلفائها في لبنان ، فلولا الدعم بالمال والسلاح للجماعات التكفيرية لما تمدد الاجرام والارهاب في البلدان العربية ولما صعد “الاخوان المسلمين ” الى الحكم في مصر، ولكان بالإمكان الحديث عن جوار عربي إسلامي معقول، ودول مواطنة تشمل الجميع، لكن العمى هو ما دفع بندر بن سلطان إلى وصف نيران التكفير بالربيع العربي حين وصل سوريا. أما المستفيد الأكبر مما جرى، فهو الكيان الصهيوني الذي يقف متفرجا حتى الآن.
^