منيت حكومة رجب طيب أردوغان بخسارة كبرى خلال المرحلة الماضية على الصعيدين الخارجي والداخلي، وتحولت سياسة “صفر مشكلات” التي نادى بها وزير الخارجية التركي داود أوغلو الى مشاكل بالجملة، انعكست على مناحي الحياة العامة بشكل كبير، وأصبحت تهدد أردوغان بهزيمة ساحقة وإسقاطه وحزبه.
أحداث “حديقة تقسيم” في إسطنبول وحديقة جيزي المجاورة لها، تضاف الى قائمة الأحداث المفصلية وفضائح الفساد التي انفجرت في الأيام الأخيرة من عام 2013، وطالت عدد من وزراء حكومة أردوغان وحزبه تهم التورط برشاوي وقبض عمولات خيالية.
بدأت الإحتجاجات “بيئية” ثم تحولت الى اعتراض على سياسة الإستثمار والتهور التي أتقنها أردوغان، وصلت به الى حد وصف الإحتجاجات والقائمين عليها “بأنهم جماعة من الرعاع واللصوص”، بينما هم من عامة المجتمع ومن مثقفين وفنانين ونقابيين، واتهمت القوى الخارجية بالوقوف وراء تحركاتهم، وبأن ما يجري محاولة إنقلابية على سلطة آداتها الشرطة والقضاء، وهذا ما جعله يتدخل في شؤون القضاء وتغيير كبير في قيادات الشرطة التركية، وبذلك تعمقت النظرة على ممارسته الآحادية.
وكذلك جاءت فضائح الفساد عشية ثلاث إنتخابات، بلدية في آذار ورئاسية في آب من العام الجاري 2014 ونيابية في عام 2015، وهذه الممارسات دفعت الى استقالات من حزبه لنواب حاليين ووزراء سابقين.
لقد فشلت سياسة أردوغان على أكثر من صعيد، أولها في إعداد دستور حديث يطوي دستور العسكر عام 1982 والذي تعرض لتعديلات كثيرة، وفشل أردوغان في إيجاد حل “للمسألة الكردية” ورفضه تلبية المطالب الرئيسية للأكراد، وتبين أن وعود الإصلاح قد أصبحت من الماضي وكانت مجرد استهلاك للوقت، وحاول أردوغان التلاعب من خلال محاولاته إضعاف “حزب العمال الكردستاني” وزعيمه عبدالله أوجلان ومن خلال التحالف مع رئيس إقليم كردستان “مسعود البزراني” على أنه زعيم الأكراد في تركيا والمنطقة.
ومني أردوغان بهزائم كبيرة لسياسات تركيا تجاه المنطقة والعالم، ولم تتحقق أهداف سياسته في سوريا الذي تآمر عليها وحاربها بأدوات القتل والتدمير من المرتزقة الوافدين وغيرهم، وبلغ به الإحباط ذروته عندما أعلن أنه على استعداد لتجاوز الشرعية الدولية والمشاركة في ضرب سوريا في أيلول الماضي، لكنه مني بخيبة أمل كبيرة، لأن أسياده في البيت الأبيض الأميركي خيبوا ظنه وتراجعوا عندما وجدوا أن حرباً على سوريا ستكلفهم ما لا يمكن أن يتحملوه وفضلوا الإستدارة.
وتراجعت مكانة أردوغان لأن ما يسمى “الجيش الحر” تراجع لمصالح قوى تقف خلفها السعودية مثل “داعش والنصرة” وغيرها من “القاعدة”، أي أن تركيا فقدت تأثيرها، لكنها استمرت في دعم القوى التدميرية التي تحارب سوريا كما تحارب “حزب الإتحاد الديمقراطي الكردي” في سوريا.
وخسرت تركيا وتلقت ضربة استراتيجية في مصر عندما تمّ الإطاحة بحكم جماعة “الإخوان المسلمين” وبذلك خسرت تركيا أهم ركائز مشروعها للهيمنة في المنطقة، وتعاطى أردوغان وكأن المتغيرات في مصر “كما لو أنها حدث داخلي تركي” عندما تعرض لشيخ الأزهر ولقادة مصر، ووصلت العلاقات الى حد طرد السفير التركي في مصر.
وبعد المتغيرات الإقليمية والدولية، والإتفاق على السلاح الكيماوي السوري الذي أنتجته التفاهمات “الأميركية – الروسية” والإتفاق النووي الإيراني مع دول الغرب، ومن أجل التقليل من حجم الخسائر لوحظ تحرك تركي جديد باتجاه طهران وبغداد وهو تحرك تكتيكي أنتجته سياسة العزلة والعجز والإنكسارات، لكن في واقع الأمر، مازال الموقف التركي سلبياً للغاية، وهو في محاولة الهروب الى الأمام، يستمر في دعم المنظمات الإرهابية في سوريا واستمرار التحرك ذي الطابع المذهبي في العراق، لعله بذلك أن يحقق ما يسمح له بالبقاء في منصبه وبانتظار ما ستأتي به الأحداث من تطورات.