يتحدث عدد من المنظرين في مجتمعاتنا عن “الربيع العربي” وكأنه نموذج واحد في التاريخ، يتكرر في أزمنة ذلك التاريخ على النحو نفسه، كما لو كان النموذج ذاك قانوناً من قوانين الطبيعة الصماء .
لسان حال هؤلاء كان يردد: لابد “للربيع العربي” من دماء تسيل، ومقاصل تنصب، ودمار يعم المدن، وحرب أهلية تتآكل فيها الأرواح، وفوضى اجتماعية لا مهرب منها، ثم إن “للربيع العربي “مدى زمنياً يتطور فيه، يصعد ويهبط، ويأتي بالغث والسمين إلى المشهد، إلى سدة السلطة، قبل أن يستقر له الأمر، في المطاف الأخير، فيظفر بإرادة الشعب .
ولكن ما نقراه ونشاهده اليوم وبعد سنوات على هذا “الربيع العربي” من فصول التكفير و القتل والتدمير والفتك بالدولة والمجتمع في عدد من البلدان العربية وتحديدا في سوريا، من قتل جماعي، وتحطيم للاقتصاد، وتفكيك للدولة، وتخريب للنسيج الوطني والاجتماعي، إنما هو – عند “منظري” “الربيع العربي” في جملة الثمن الذي “يهون” دفعه من أجل سوريا “الديمقراطية”، وأن غيرها من بلدان العالم دفع أثماناً شبيهة كي تكسب “الثورة” فيها قضيتها، وأن “لا خوف على سوريا” من الحرب الأهلية والفوضى وتدفق السلاح والمسلحين من الخارج، إنما الخوف عليها من بقاء النظام القائم فيها !
ما يجرى في سوريا من دعم عسكري غربي وخليجي لمساعدة الجماعات الارهابية المسلحة على إسقاط النظام، وممارسة أبشع أنواع القتل والارهاب على ايدي جماعة “النصرة” ، ليس أكثر من تفصيل من تفاصيل تموجات “الربيع العربي” ومخاضاته التدميرية والتي لن تنجلي حتما عن غد مشرق ستنعم فيه سوريا فيما لو وصلت تلك الجماعات التكفيرية لا سمح الله الى الحكم.
باختصار، يبشرنا هذا العقل التكفيري بمستقبل حافل بالموت والدماء والدمار والفوضى بدعوى أن “الثورة” هكذا كانت – دائماً – في التاريخ الإنساني،وكأن الديمقراطية غالبا ما باتت تولد من وراء الركام والدمار والارهاب.
^