عندما أطل الصبح، وأماط لثام الليل عن وجه لبنان ، يتاح للناظر رؤية ذلك المنظر المهيب الذي يثير قرائح الشعراء وعواطف الأدباء الجياشة، وقد راعهم جمال اللوحة البديعة، المتمثلة بهذا الرداء الأبيض الممتد عبر الأفق، الذي غطى الأرض بكثافة ونعومة باردة.
كان من المتوقع ان تأتي “الكسا ” براياتها البيضاء لتغزو سواد الليل، وتطهر الأرض مما لحق بها من عفونة، وينقيها مما علق بها من أسباب التكفير و المرض والداء الذي يفتك بالمواطن ويهدد الوطن ،وكذلك من اجل ان يغسل الشوارع والأزقة في القرى والمدن من الأدران، ويزيل كتل الغبار المتراكم على النوافذ والابواب عبر الشهور المنصرمة.
فاللبنانيون اليوم أشد حاجة من الأرض والتراب والجبال والأشجار لتلك العواصف الثلجية البيضاء ! التي يجب ان تغزو قلوبهم المتعبة، لتزيل عنها غبار الحقد والضغينة تجاه بعضهم البعض ،وما علق بها من أدران، وتطهر نفوسهم المتخمة من آفات التحريض والتمذهب ، وتغسلها من بذور الكراهية والتشفي والانتقام، فهذا ليس من باب المبالغة إذ أن كل ما يجري اليوم في طرابلس وصيدا وعرسال وغيرها من المناطق الاخرى من قتل وحروب وتشريد وغصب وسلب ونهب،ما هو الا بسبب القلوب القاسية ،والنفوس المريضة ،والصدور المشبعة بالحقد والكراهية .
قدوم “الكسا” كان مناسبة لتفهم سنة الكون في التجديد، و ضرورة الترميم الدائم للنفس، وضرورة مواصلة اصلاح الذات بطريقة مستمرة لاتتوقف، من اجل تجديد الروح الوطنية ، واستعمال العقل ، وفرصة فريدة للتأمل الهادئ العميق، المصحوب بالاعتراف بالاخطاء ، وضرورة تصحيح المسار،ولكن ما كنا ننتظره سرعان ما تبدد بعد وصول عاصفة امنية ترجمت بالهجومين الارهابيين على المؤسسة العسكرية في عاصمة المقاومة في صيدا وسقوط عدد من الشهداء والجرحى في صفوف الجيش اللبناني ،الامر الذي ينذر بعواقب خطيرة قد تشهدها الساحة الداخلية في الايام القادمة بعد حالة التمدد المنظمة التي تشهدها جماعات تكفيرية قادمة من كل اصقاع العالم للنيل من وحدة اللبنانيين وتهديد امنهم واستقراهم .
لا نريد للازمة السورية أن تكون سببا للتفجيرات الارهابية والاغتيالات السياسية في لبنان ،، أو تشويه سمعة هذا أو ذاك، بل نريدها سببا لمراجعة كل قدراتنا لمواجهة الأزمات، وإدارتها والإمكانات التي بين أيدينا، وقدرة المسؤولين أيضا في مواقعهم.
المطلوب هو الخروج من شرنقة الفشل والضعف وسياسة النأي بالنفس وقلة الإمكانات، التي هي سمات تقول إن أي اعتداء ارهابي قد يستجد لا سمح الله سيؤدي إلى كارثة اكبر.
عاصفة صيدا اجتاحت امن المواطن واستقراره قبل أن تكون “الكسا” مجرد ثلج يتساقط على الطرقات.
^