يستمر ما يسمّى الراعي الأميركي في خطته الجديدة التي تتضمّن إعطاء الأولوية للأمن الإسرائيلي على حساب الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، بحيث يتم الإتفاق على الخريطة الأمنية أولاً، ليصار بعدها الى رسم خريطة الحدود على أساسها، وتتضمّن الخطة “استمرار السيطرة العسكرية الإسرائيلية على الحدود والأغوار الى أن تتأكّد “إسرائيل” من جدارة الدولة الفلسطينية العتيدة على توفير الأمن لـ “إسرائيل” وعلى أن تكون المعابر مشتركة (إسرائيلية – فلسطينية) مع توفير غطاء تكنولوجي أميركي.
وقبل وعند استئناف المفاوضات “الإسرائيلية – الفلسطينية” في نهاية حزيران 2013، كان وزير الخارجية الأميركي جون كيري يتحدث عن “تسوية نهائية” تتضمن إقامة دولة فلسطينية على حدود عام 1967 مع تبادل أراضٍ متفّق عليه، وعلى أساس مرابطة قوات دولية أو أميركية على الحدود وفي الأغوار.
تصريحات الرئيس الأميركي باراك أوباما تفيد بأن “الخطة الأميركية الإنتقالية” قد بدأت وهو يتحدّث عن تقدم بالمفاوضات يمكن أن يسمح بالتوصل الى إتفاق إطار على طريق التسوية النهائية على مراحل وقال أوباما: “الحل يمكن أن يبدأ بالضفة الغربية ويتم تأجيله في قطاع غزة”.
وفي الجانب الفلسطيني تمّ رفض المقترحات الأميركية لأنها تعني “حلاً انتقالياً” جديداً يراد له أن يكون “نهائياً”، لكن هناك مخاوف وقلق بسبب الإنحياز الأميركي لصالح “إسرائيل”، أما الجانب الإسرائيلي، فهو يطالب بالمزيد من التنازلات وهو ضد إعطاء الفلسطينيين شيئاً قبل اعترافهم بـ “إسرائيل” بوصفها “دولة يهودية” وتنازلهم عن حق العودة للاجئين.
ويبدو أن المفاوضات أصبحت “إسرائيلية – إسرائيلية” أو “إسرائيلية – أميركية” لا فرق، وما يتم الإتفاق عليه بينهما تجري محاولة فرضه على السلطة الفلسطينية، وهذا يعني أن القيادة الفلسطينية صاحبة مشروع المفاوضات أصبحت أمام لحظة الحقيقة، وتقترب اللحظة التي يتوجّب فيها إتخاذ قرار بوقف لعبة التفاوض لأنها أصبحت تمس جوهر الصراع وحيث المخاطر المحدقة التي تواجه القضية الفلسطينية وهذه ستقود الى كارثة حقيقية، والجانب الفلسطيني المفاوض أصبح أمام أمرين أحلاهما مرّ.
أما الحلّ التصفوي الجاري بلورته برعاية أميركية أو الاستمرار في معزوفة التفاوض الى ما لا نهاية والى أن نصل الى حد “لا نجد شيئاً نتفاوض عليه” في ظل تكرار الحديث “أن لا بديل عن المفاوضات إلا المفاوضات” وبسبب عدم وجود بدائل”، وهذا يعني حالة من العجز ليس إلا ويجب التوقف عندها.
والسؤال الأساسي، ما الذي أوصل القضية الفلسطينية الى مثل هذا الضياع؟ حيث حالة الضعف والإنقسام الذي يتجذّر عمودياً وأفقياً! بالإضافة الى مآل الوضع العربي الراهن بكل تفاصيله، هو الآخر ساهم بتهميش القضية الفلسطينية، وشجّع حكام واشنطن وتل أبيب على العمل من أجل تطبيق أكثر الإجراءات الإحتلالية سوءًا، والسعي لفرض حل تصفوي للقضية الفلسطينية، يجعل الدولة الفلسطينية إن قامت على أساس الشروط الإسرائيلية ستكون دولة لا تملك أي مقومات سوى الإسم، ولا تملك السيطرة سوى على السكان في المعازل التي ستكون تحت السيطرة الإسرائيلية المباشرة.
وهذا يؤكّد، أن المفاوضات الثنائية برعاية أميركية والتي تمّت بلا مرجعية ولا ضمانات ولا حتى تجميد للإستيطان، كان الهدف منها كسب المزيد من الوقت لفرض وقائع جديدة وإنتظار المزيد من الفرص السانحة في ظل الوضع العربي الراهن الذي يصب لصالح العدو الصهيوني.
وبعد هذه المتاهة والرهانات العقيمة، أصبح المشروع الوطني الفلسطيني برمّته بحاجة الى إعادة تعريف ويكفي ما نراه… المفاوضات تستخدم أميركياً للتغطية على تعميق الإحتلال وتوسيع الإستيطان.
التخلّف هو أن تملك الإمكانيات ولا تستطيع استخدامها، يمتلك شعبنا الفلسطيني إمكانيات هائلة ومتنوعة وقدّم التضحيات طوال قرن من الزمن وإنصافاً لهذا الشعب وقضيته، على جميع القوى الحية في شعبنا أن تبدأ في البحث عن خيارات بديلة وناجعة وبلورة مشروعنا الوطني وإعادة بناء منظمة التحرير على أسس جديدة من خلال تقييم المرحلة السابقة، وإستراتيجية جديدة وإعادة الإعتبار لخيار الكفاح الذي مثّلته الثورة الفلسطينية المعاصرة.