بين حين وآخر تكون المراجعة للسلوكيات والقرارات واجبة علي الرؤساء والمسؤولين ، مراجعة يكون دافعها التقييم والتقويم ،وما المواقف الاخيرة التي اطلقها فخامة رئيس الجمهورية عن علاقات لبنان بمحيطه العربي وعن التدخل في سوريا وهجومه على المقاومة سوى خير دليل على ضرورة ان يبادر الرئيس سليمان الى فتح باب كبير للحوار يسفر في نهايته اما عن صحة ماقاله او حاجته للمراجعة والتصويب..
من هنا فإن الرئيس سليمان يبدو الآن في حاجة ماسة لهذه المراجعة, ليعرف اين يقف والي اين يجب ان يسير, فالوقت يمر وهو كالسيف ان لم يقطعه قطعه, وحال البلد واقتصاده لايحتمل ترف التفكير والتروي والانتظار لما لايجيء, ونظرة واحدة علي احوال اللبنانيين المعيشية تكفي لتذرف الاعين دماء لا دموعا, كما بات مشهد السيارات المفخخة والعمليات الانتحارية و تشييع الشهداء امرا اعتياديا كل يوم اما بفعل الارهاب او الاهمال, وكلاهما خطر علي الوطن, وبسببهما خيم الحزن علي الناس الذين باتوا يتبادلون كلمات التعازي اكثر من كلمات التهاني بعدما ضاعت الفرحة وضلت السعادة طريقها إلي الناس وفي مقدمتهم البسطاء الذين يدفعون ثمن تخبط المسؤولين وغياب الحكومة ومراهقة السياسات , وبسبب تشتت هؤلاء وتباين مواقفهم حسب الحالة والاستفادة بعيدا عن مصلحة الوطن, يعيش اللبنانيون حالة الاغتراب والخوف من المستقبل الذي يسكن المجهول.
واذا ما قام رئيس الجمهورية بمراجعة ماكان علي الساحة فإنه سيتوقف بالتأكيد امام اخطائه التي يجب عليه الاعتراف بها اولا ان اراد تصحيح المسار, واول ماينبغي أن يعترف به أنه أخطأ عندما قبل فكرة العداء مع النظام في سوريا بعد ان تأكد للعالم كله انه يعمل على محاربة الارهاب والحركات التكفيرية ،ورغم ذلك ترك سليمان الباب مفتوحا امام تدفق المقاتلين التكفيريين للقتال في سوريا دون رقيب او حسيب نتيجة الانفلات الامني وعدم ضبط الحدود, كما انه أخطأ عندما قرر الهجوم على المقاومة صاحبة الاستقلال الحقيقي للبنان لمجرد انها قررت الدفاع عن لبنان في مواجهة ارهاب التكفيريين وبطشهم, فهل يشرح لنا فخامة الرئيس كيف “لثورة” شعبية قامت من أجل تغيير النظام في سوريا , تسمح لجماعات تكفيرية مستوردة من كل اصقاع العالم بأن تعيث في الارض فسادا وقتلا وخرابا ودمارا , دون ان تضرب الدولة اللبنانية بيد من حديد وتجفيف البؤر الارهابية التي بدأت تصول وتجول في كل بقعة ومكان بدلا من ادخال البلاد في حالة صراع دائم, وكيف يقبل الرئيس سليمان وهو قائد سابق للجيش بتكرار مقتل ابناء الوطن الشرفاء من رجال الجيش وقوى الامن الداخلي في كل من صيدا وطرابلس وعرسال وغيرها من المناطق دون ان يلقي بكل ثقله ليقضي علي الارهابيين ايا ما كانوا وفي اي مكان, او يواجه هؤلاء القابعين في الاستوديوهات المكيفة وجيوبهم المنتفخة التي من مصلحتهم ان تستمر هذه الحالة,من انهيار الدولة ويستفيدون أكثر من الاعلام الذي لايجيد الفصل بين الغث والسمين, ولايعرفون اين يقفون تارة مع ثورات “الربيع العربي” واخرى ضدها.
فخامة الرئيس الدولة الآن في مفترق طرق وعليك أن تحدد موقفها ومسارها الصحيح من ضمن الثوابت الوطنية التي ترى في المقاومة الحصن المنيع في مواجهة العدوان الاسرائيلي والهجمات التكفيرية ، والمتمسكة بالعلاقات الاخوية مع سوريا التي تتعرض اليوم لابشع انواع الارهاب على ايدي بلطجية العصر, فكفانا ماكان من الاذعان لأصوات من نصبوا انفسهم في السفارات الاجنبية متحدثين رسميين عن الوطن, ممن يسبقون اسماءهم بالالقاب من نوعية سفير او مندوب او ناشط في مجال حقوق الانسان وحتي خبير بعدما اختلط الحابل بالنابل وفقدت المسميات معانيها ومضامينها, نتمنى يا فخامة الرئيس الا تصغي لأصوات شاذة تدّعي المقاومة , فالمقاومة معروف اصلها وفصلها وهناك من يتحدث باسمها, ولم يفوض غالبية اللبنايين غيرها لمواجهة اعداء الوطن, وعلي مؤسسات الدولة ان تنفذ التفويض بكل مايتطلب الامر من قوة وحسم وحزم, وعلي الدولة ان تسد اذنيها ولا تشغل بالها بالاصوات النشاز وتركز جهدها علي الوفاء بالتزامات تجاه المواطن الذي يبحث عن قوت يومه بدلا من الاستماع لأصوات النشطاء الغارقين في نعيم الدعم الخارجي, فالوقت ليس فيه متسع يا فخامة الرئيس , وقوس الصبر لم يعد فيه منزع, فالوطن يعيش حالة حرب ضد الارهاب ولابد ان ينتصر, لان الشعب الذي ثار يقف خلفه وينتظر لحظة التتويج لمقاومته بتحقيق كل اهدافها التي قامت من أجلها.
^