التحول الجذري في السياسة الأميركية ليس سهلاً، لكنه ضرورة تمليها موازين القوى الجديدة في المنطقة، ومعالم التسوية الكبرى بين روسيا والولايات المتحدة بدأت تتضح تباعاً، وأصبحت الجمهورية الإسلامية الإيرانية حجر الأساس في التسوية الممتدة من الشرق الأوسط الى أفغانستان والقوقاز وأوروبا الوسطى وآسيا الوسطى، هذا يعني أن روسيا استعادت الوزن والمقام الذي يليق بها كقوى عظمى فاعلة إقليمياً ودولياً، والإتفاق بين إيران والدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن زائد ألمانيا يتصدر الأولوية القاطعة للدول الست، وأي مسألة أخرى ستأتي في مرتبة أخرى، والمسألة السورية سقطت من سلم أولويات تلك الدول والحل مسألة وقت.
والنقلة النوعية الأهم حدثت وهي العلاقة الأميركية – الإيرانية، وهذا يعني أن إيران وروسيا حققتا إنتصاراً تاريخياً في الشرق الأوسط يشاركهما فيه حكماً سوريا و”حزب الله” اللذين قدما كل ما يلزم لتحقيق هذا الإنجاز، وأثبت محور المقاومة أنه رقم صعب لا يمكن تجاوزه.
وإيران أصبحت متواجدة في كل المعادلات، بما فيها المعركة على النفوذ في أوروبا الوسطى بين الولايات المتحدة وروسيا، وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، أعلن في أعقاب الإتفاق النووي مع إيران أن ذلك يلغي حاجة حلف شمال الأطلسي (الناتو) لمشاريع الصواريخ الباليستية في أوروبا، لأن المنطق الذي تذرعت به الولايات المتحدة لإقامة تلك الدرع الصاروخية هو مواجهة تحدي الصواريخ الإيرانية، قال لافروف: “إن تلك الذريعة زال منطقها بعد الإتفاق مع إيران”، وهذا يعني، أن إيران أصبحت بوابة معالجة الخلاف الأميركي – الروسي حول مشاريع الصواريخ الباليستية في أوروبا الشرقية.
اهتزت موازين القوى التقليدية وأهتز معها الحلفاء التقليديون للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، والمصلحة الأميركية لم تعد تعتمد حصراً على النفط العربي، والرسالة الأميركية لكل من يعنيه الأمر، هي أن أميركا لن تحارب نيابة عن أي كان، فكل يخوض حربه بجنوده وقواته، والرسالة أيضاً، أن استيراد الأمن لم يعد صالحاً وأن الوقت حان لجاهزية محلية، وهذا يعني أن جنيف 2 هو ممر إجباري لحل الأزمة السورية بعد أن انكشفت أوراق اللاعبين المحليين وبداية تراجع اللاعبين الدوليين بعد فشلهم في حربهم بالوكالة.
محور المقاومة أصبح قوة إقليمية ولاعباً سياسياً وتهم الماضي أصبحت لا تعني شيئاً، وموازين القوى تغيرت في المنطقة، ومؤشرات ذلك ما قاله الرئيس الروسي فلاديمير بوتين موجهاً كلامه لرئيس وزراء العدو الصهيوني، قال بوتين: “لا داعي لأن نوهم أنفسنا، فالإيرانيون لن يفجروا أجهزة الطرد المركزي التي اشتروها ببلايين الريالات ولن يدفنوا المفاعلات ولن يفككوا قواعد الصواريخ…”
إيران عززت مكانتها السياسية، وهيّأت فرص جديدة لرسم مستقبل المنطقة، والدول الغربية رأت نفسها مضطرة للتفاوض مع إيران، التي بدأت تلعب دوراً سياسياً في المنطقة، وهي قوة صاعدة أثبتت حضورها في الإقليم والمحافل الدولية.