عندما نقرأ الواقع بموضوعية ومن خلال رؤية مبصرة لا مضللة، وجامعة وليس مفرّقة عندها نستطيع أن نكون أصحاب شهادة نافعة تنعكس إيجاباً على أولوياتنا الحياتية وصولاً الى قضايانا الوطنية والتي تحتاج منا أن نعمل بصدق لتظل حية في نفوس الجماهير، وفي زمن تشترى فيه الأقلام ويزداد الإنشاء وشراء الذمم بما يرضي “سيد البلاط”، الذي يتلون بأكثر من ألوان قوس قزح، وهنا لا نتحدث عن شهادة من رواية وإنما من واقع مؤلم تباع فيه الأوطان جهاراً ونهاراً، لا يعذبنا الشك عندما نرى الحقائق الدامغة، لعبة المصالح الضيقة أصبحت أغلى من حب الأوطان عند أولئك الذين ربطوا مصيرهم وكراسيهم ورهنوا وجودهم مقابل أن يعيشوا في ظل ناهبي ثرواتهم ومقدرات بلادهم، وعند هؤلاء انقلبت المفاهيم، وبات الأخ عدواً لدوداً، وما يثير إستغرابنا أن نرى من المداحين لهم وتصوريهم وكأنهم أبناء العروبة والأصالة والمدافعين الغيارى عن حقوق الإنسان، بينما تضيع هذه الحقوق في عقر دارهم، والأغرب من هذا، هناك من يتطوع لوصف هؤلاء بالأغلبية الساحقة من العرب وهم من يقفون مع “الثورة” ولفترة قريبة كان صاحب هذا التعبير يحكم عليه بالإعدام في بلاد التخلف والرجعية والخذلان، ويذهبون بعيداً في قلب الوقائع، وأصبح المدافع عن العروبة في نظرهم مقروناً بجرعة عنصرية.
والأبعد من ذلك يستعير البعض لغة متناقضة ويطبقها في المكان والزمان الذي يختاره، وبهذا تتحول اللغة الى آلة ضخ إعلامي هدامة وفاقدة لأي إلتزام، تفرق ولا تجمع، تتسوّل الرضا وتبتعد عن قول الحق، تبيع كل شيء وهي بذلك فاقدة لأي مضمون، وثم ترى البعض وهو يحاول أن ينسج حالة أشبه ما تكون بالأسطورية حول دور الفرد “الشخص” واختصار الوطن بأحادية وما يترتب على هذا التعبير من ملحقات ينأى الحريص على ذكرها.
ويوماً بعد يوم تشتد المأساة عمقاً وتتسع أبعاداً، بينما يحاول المداحون إقناع أنفسهم بطهارة أقلامهم وإقناع الشعب بموضوعية فعلهم، لكن الشعب مازال يجدّد الولاء لقضيته وكرامته ويرفع الصوت مطالباً بحقه المشروع في الحياة الآمنة في وطنه وعدم الإنغلاق ضمن “غيتو” أحادي أو متعدد الأقطاب.
يستطيع القارئ اكتشاف الحقائق من فقرات وتفصيلات موزعة في صفحات مقال، هذا لم يعد أمراً صعباً، لأن المعاناة تجعل من الإنسان شديد الحساسية، والكلام العابث في مثل هذه الحالة لن يفيد قضية.
نقول من حق أي شخص ملتزم بقضية وطنية أن يقرأ الواقع المحيط بتمعن، وأن يعكس رأيه؟ فالوطن ملك للمواطن ومن حقه أن يسمو به ويرفع من شأنه، لأن الوطن كبير وغال ويتسع للجميع، وهو لم يُفصّل على مقاسات أي شخص كان موقعه ومحله، وليس من العقل أن يتبنى المرء الشيء ونقيضه.
نحن أبناء أمة واحدة، ولبنان جزء من هذه الأمة وهو ما نعتز به، وأبناء الوطن الواحد يكملون بعضهم بعضاً بدون لغة التحدي التي لم تعد مقبولة في هذه الأيام وفي ظل الهجمة الشرسة التي تستهدف أمتنا.
أريد التوقف عند مقال للأستاذ (حازم صاغية وبيسان الشيخ) بعنوان “تقنيات الزعامة، الثابت منها والمتحول” وفقرة “بلاط مفتوح” و(بتاريخ 25 أكتوبر 2013).
فأنا قرأت مقاله باهتمام الملتزم لما فيه من تحليل عكس فيه موقفه ورأيه الشخصي في قضايا هامة هي موضع جدل على كافة المستويات المحلية والإقليمية، أجاد الوصف والمدح والإسقاط، وذهب بعيداً في “بلاط مفتوح” ولن أسمح لنفسي بانتقاده فهو يستعرض حقبة هامة من تاريخ لبنان واختار أن يكون في موقع ما في وصفه وإسقاطه للأحداث.
لكن ما أريد أن أذكره، أن وئام وهاب هو رئيس حزب “التوحيد العربي”، وهو ليس “حالة خارجية” وإنما حالة وطنية وقومية وينال كل تقدير وإحترام جماهيرنا في لبنان وعلى مستوى الأمة جمعاء، وهو أيضاً ليس حالة خارجية وإنما هو عابر للطوائف ويرى لبنان بحجم أمته وليس لبنان “الإنعزال والإنغلاق والمزرعة”، أما عن الخدمات التي يقدمها “حزب الله” فهي محل فخرنا وإعتزازنا ونحن معه في خندق واحد، و”حزب الله” في قلوبنا وعقولنا وهو ليس جهة خارجية كما أسقط صاحب المقال.
بقي أن نقول من الحكمة أن يتدخل المرء في مضمون القضايا المصيرية وهي همنا جميعاً، لكن أن يصبح الشكل مضموناً فهذا هو عكس منطق الأشياء وهنا علينا أن نبحث في الأسباب!