ما يميّز حرب تشرين الأول 1973 هو أنها قامت بمبادرة عربية سورية ومصرية، وأكّدت نتائجها أن مقولة “الجيش الإسرائيلي الذي لا يُقهر” هي مقولة فارغة، وقدم الموقف العربي الموحد درساً بالغ الأهمية في قوة العرب الكامنة عندما تُسخّر الإمكانيات في الإتجاه الصحيح.
لقد أثبتت حرب تشرين المظفرة بأن الإنسان هو العنصر الحاكم في المعركة، لأنه بذاته وأهدافه هو هدف كل معركة، لقد أكّد الرئيس الخالد حافظ الأسد “أننا ندافع عن النفس وحماية حقوقنا المشروعة، لسنا هواة قتل وتدمير، وإنما ندفع عن أنفسنا القتل والتدمير، إن قضيتنا عادلة ولكن لا عدالة بدون نضال ولا عدالة بدون جهد وعرق وتضحية”.
في يوم 6 تشرين الأول 1973 سجل الجندي العربي في سوريا ومصر أروع البطولات على أرض الجولان وسيناء، وبدأ تحرير الإنسان العربي من الاحتلال النفسي، فقد كان اتخاذ قرار الحرب في حد ذاته انتصاراً نفسياً وشرارة أيقظت الكثير من الآمال وهزة قوية نقلت الكثيرين من موقع اللامبالاة الى مواقع الرغبة في العمل مع سماع أبناء الإنتصارات العربية، وتحوّلت حالة نصف الوعي التي كانت سائدة الى حالة وعي كامل بقوة العرب ويقظتهم على مجابهة غطرسة العدو وإلحاق الهزائم بقواته “الأسطورية التي لا تقهر”.
وفي تلك الحرب أُجبر العدو على توصيف المعركة والإعتراف بهزيمته، يومها قال العميد يستحاق حوفي قائد المنطقة الشمالية في جيش العدو “كان السوريون متفوقين في العدد، ولقد اندفعوا كاللهب، وأن أسطورة “إسرائيل” التي دامت ربع قرن اختفت و”إسرائيل” لم تعد منيعة لا يمكن الإنتصار عليها”.
وهزّت نتائج حرب تشرين المجتمع الإسرائيلي من أساسه ولقد وصفها مناحيم بيغين بأنها “كارثة قومية” واعتبرها أرئيل شارون بأنها أقسى حرب واجهتها الدولة الصهيونية منذ تأسيسها، ومهما كانت النتائج المادية التي حققتها هذه الحرب كبيرة، فإن نتائجها المعنوية اتّسمت بخطورة آثارها وعمق الشرخ الذي خلّفته في نفسية الإنسان الإسرائيلي، وهذه الحرب رسّخت القناعة بحتمية النصر لدى الجماهير العربية، ومع امتلاك سلاح الإرادة والوعي وفي ظل رؤية قومية وحّدت إمكانيات العرب العسكرية والسياسية والإقتصادية كان النصر حليفنا في حرب تشرين.
لقد مسحت حرب تشرين الأول 1973 ونتائجها الآثار النفسية التي عكستها هزيمة 1967، تلك التي حاول العدو تجسيدها على شكل احتلال للأرض والمساومة عليها في سبيل تحقيق أغراضه، وترسّخت معادلات جديدة بفضل التضحيات ووضوح الرؤية، وبعد الحرب حافظت سوريا على مسار واضح من خلال التمسك بروح حرب تشرين، وظلّت وفية صامدة وممانعة ومقاومة، وهي اليوم ترسّخ كل القيم الوطنية والقومية والإنسانية وهي تتصدى للحرب الكونية التي تُشنّ ضدها، وتأبى سوريا إلاّ أن تظل عرين كل المقاومين في أمتنا وهي أشد إيماناً بحتمية النصر.