يكاد لا يمرّ ذكر اسم “الجامعة اللبنانية” منذ سنوات طويلة، حتى ينطلق لسان المسؤولين بالمديح والاهتمام.. والحسرة.
هي الجامعة الأم بحسب بعضهم، وهي جامعة الفقراء الوطنية بحسب آخرين، وهي التي يجب أن توليها الدولة عناية خاصة، بحسب الجميع، لكن في المقابل، لا يمرّ اسم الجامعة من دون تعداد المشاكل والعقبات التي تواجهه، مشاكل لا تلغي إنجازات كثيرة تحققت في عمر الجامعة الذي يقارب الستين عاماً، لكنها أيضاً تقف عائقاً في طريق تطويرها وتقدمها في المستقبل.
والمشاكل هذه لا تنحصر في مستوى واحد، كما أنها في الغالب لا تجد المرجع الذي يشرح حقيقتها بوضوح، والسبب الذي يتردد غالباً، وعلى لسان المسؤولين أحياناً، هو تنافس القوى السياسية والصراعات الطائفية المستشرية!
ومستويات المشاكل هذه متعددة: فمنها الإداري ومنها المالي، ومنها كذلك ما يتعلق بنظامها التعليمي، وبغض النظر عن التقسيمات، يلمس الطالب في الجامعة اللبنانية هذه المشاكل بشكل يومي.
وعلى سبيل المثال لا الحصر: التطبيق الناقص والمربك لنظام الـ “أل.أم.دي”، صعوبة المناهج التي تقتصر على الجوانب النظرية غالباً، غياب التجهيزات العلمية في بعض الكليات، المشاكل المرتبطة بالأبنية والمستلزمات والتجهيزات، الفوضى الإدارية التي تؤثر أحياناً على المستقبل التعليمي لبعض الطلاب، الواسطة التي يكثر الحديث عنها في اختصاصات محددة، والواسطة “الأقل درجة”، كتأثير علاقات الطلاب بالجهاز التعليمي على نجاحهم، السكن الجامعي والفروع في المناطق..
وإلى تلك المشاكل، شكاوى كثيرة تدخل في تفاصيل الحياة اليومية للطلاب، من غياب التجهيزات الخاصة ببعض المباني التي لا تحمل مواصفات الأبنية الجامعية، إلى عدم استيعاب بعض الصفوف.. وصولاً إلى مسألة النشاطات السياسية والحياة الطلابية والمواقف المتضاربة بشأنها.
مشاكل الجامعة اللبنانية وغيرها من الأمور المتعلقة بالسياسة التربوية العامة للجامعة، كانت محور لقاء موقع “حزب التوحيد العربي” الالكتروني مع الأستاذ في كلية العلوم في الجامعة اللبنانية والمسؤول التربوي المركزي في حركة أمل الدكتور حسن زين الدين الذي رفض في بداية الحديث الإشاعات التي تحدثت عن زيادة رسوم التسجيل، وذكر المذهب على بطاقة تسديد الرسوم، رافضاً التمييز بين الطلاب ولو بكلمة، طالباً من الطلاب والموظفين المعنيين بتعبئة البطاقات، بحيث يتم وضع “لبناني” في خانة المذهب، معتبراً أن الهدف من تلك الإشاعات البلبلة وتشويه انطلاقة العام الجامعي في “الحدث” بسبب الفوضى الحاصلة، إضافة الى ربط ذلك بما يحدث في الضاحية بهدف عملية عزل هذا المحيط بما يمثله.
وأوضح أن السياسة التربوية العامة التي يجب ان تنتهجها الجامعة اللبنانية يجب ان تحقق الاهداف المرسومة لها في خدمة المجتمع من خلال نقل المعرفة وإنتاجها وتطويرها وبناء أجيال مواكبة للعصر، مسلحة بالعلم والأخلاق، وهذا لا يستقيم بعيداً عن السياسة العامة التي ينبغي على الدولة اللبنانية إنتهاجها انطلاقاً من الدستور والقوانين والأنظمة.
اتفاق الطائف الذي غدا دستورا نص في أحد بنوده:
“إصلاح التعليم الرسمي والمهني والتقني وتعزيزه وتطويره بما يلبي حاجات البلاد الإنمائية والإعمارية وإصلاح أوضاع الجامعة اللبنانية وتقديم الدعم لها وبخاصة في كلياتها التطبيقية. كما أكّد على إلغاء قاعدة التمثيل الطائفي واعتماد الكفاءة والاختصاص في الوظائف العامة. لم تطبق الدولة اللبنانية هذين البندين اللذين نعتبرهما مدماك الإصلاح في بنية المجتمع، لا بل تراجع دورها بشكل ملحوظ وصارت عبئاً يحول دون الجامعة وتقدمها، فغدت رهينة تصريف طويل وعميق للأعمال، إذ لم تعين الدولة بسبب عقم النظام الطائفي مجلس الجامعة الذي يناط به مع الرئيس إدارة شؤونها الأكاديمية والإدارية، وهذا ما أعاق رسم طريق سياسة الإصلاح الشامل والدائم ليس فقط للجامعة الوطنية، بل للتعليم الرسمي والمهني والتقني بمجمله، وسارت الجامعة وكذا التعليم الرسمي بخطى بطيئة على طريق التطور بفعل إرادة الأساتذة والموظفين.
كما لم تتمكن الحكومة – أو بالأحرى النظام – من إصدار قانون عصري لتنظيم الجامعة بعدما شاخ قانون 75/67، ليواكب التغيير البنيوي والتطور الأكاديمي الذي يتطلب تشريعات جديدة ضرورية للمواكبة.
وتابع: لم يستطع النظام اللبناني أن يهضم الجامعة اللبنانية كأداة تغيير وتطوير وإنماء على طريق بناء وطن سيد حر مستقل وشعب يتمتع بمستوى علمي وأخلاقي رفيع يسمح له ببناء الوطن وحمايته وتأمين مستوى معيشي لائق، لأنه نفسه، أي النظام السياسي جاء تلبية لحاجة استعمارية في مرحلة تاريخية معينة، وكان المستعمر بحاجة لبعض النخب في اختصاصات محددة أوجدها في كليات تابعة لجامعات الإرساليات، أي له، وقد قامت بدورها وبعضها يشكّل حتى اليوم رأس جسر ثقافي وسياسي للمستعمر. وبعد الانتهاء من دلفة الاستعمار وقعت الجامعة كما الوطن تحت مزراب الطوائف، مما أفقدها فرصة تكوين الشخصية الوطنية الواضحة وتعرضت لإضطهاد النظام الذي لم يلبِّ حاجاتها إلا بضغط الإضرابات مما أعاق تقدمها رغم معاندة الجسم الأكاديمي لكل ظروف الظلام والتخلف.
لقد واكبت الجامعة اللبنانية بخريجيها نمو الإدارة اللبنانية خلال الستينيات والسبعينيات فأردفتها بخيرة الكوادر، ثمّ ما لبثت الدولة أن أوقفت التوظيف منذ ما يزيد على العقدين من الزمن مما أوقع العديد من الخريجين بحيرة من أمرهم، فمنهم مَن قبل وظائف لا تمت بصلة مباشرة الى اختصاصهم ومنهم مَن هاجر باحثاً عن فرص عمل خارج الحدود.
وقد كان لكلية التربية في الجامعة اللبنانية وماتزال دوراً هاماً في بناء وتدريب كوادر التعليم الثانوي والأساسي وهذا ما وفّر فرص للآلاف من طلاب الجامعة اللبناني، وأيضاً توقف التوظيف في هذا القطاع وكل استثناء كان يحصل بضغط إضراب أو تحرك، فيجري مجلس الخدمة المدنية امتحانات لأخذ بعض الأساتذة جلّهم من خريجي الجامعة اللبنانية.
وكذلك قطاع الخدمات استفاد ومايزال من طلاب الجامعة اللبنانية ولكن تعثر هذا القطاع يدفع بالخريجين الى السفر.
أما في الكليات التطبيقية وهي تمتاز بحيوية أكاديمية مشهود لها بمستواها نظراً لحداثة برامجها وقدرات أساتذتها ولإرتباطها بإتفاقيات تعاون مع مثيلاتها في فرنسا، فهي تؤمن لعدد من الخريجين فرص الوصول الى مواقع متقدمة في مجمل هذه الإختصاصات كالطب والصيدلة والهندسة والزراعة والسياحة وغيرها.
كما تساهم الجامعة اللبنانية في رفع مستوى الإنتاج الثقافي والفني والإبداعي من خلال معهد الفنون الذي لم تستطع محاكاته أية مؤسسة مشابهة على الأرض اللبنانية، لكن واقع مجتمعنا يدفع بالعديد من خريجيه للأسف الى البطالة أو السفر.
أما كيف تحافظ الجامعة اللبنانية على موقعها في ظل الجامعات الخاصة؟
أجاب زين الدين: لم تستطع الجامعات الخاصة منافسة الجامعة اللبنانية على مستوى الإجازة في العديد من الإختصاصات التي تتطلبها وظائف الدولة اللبنانية وقد أثبتت ذلك إمتحانات الدخول الى معهد القضاء أو الى السلك الخارجي أو التعليم والمدرسة الحربية فيما خصّ ضباط الاختصاص.
لكن الجامعة اللبنانية لم تستطع منافسة بعض الجامعات الخاصة في قطاع المصارف والشركات الكبرى لاسيما الأجنبية منها والتي تعمل في لبنان أو خارجه نظراً لما يتطلّب من شروط إضافية كاللغة وتنمية قدرات الفرد وشخصيته وقدرته على اتخاذ القرار وقبول الآخر.
ولم تستطع الجامعة، وقد لا يكون ضمن اهتماماتها حسب قانونها الحالي وأنظمتها القيام بحملات التسويق لخريجيها، كما لم تعتمد الدولة جامعتها في الدراسات والتخطيط لمشاريعها العمرانية أو الصحية أو البيئية.
من هنا إن المحافظة على موقع الجامعة ودورها يتطلب تظافر جهود أهل الجامعة أولاً للحفاظ على مستوى التعليم ومواكبته متطلبات العصر وتنشيط البحث العلمي تلبية لحاجات المجتمع، كما هو مطلوب من الدولة اعتماد الجامعة كلياً في مشاريعها ودراساتها وتخطيطها.
وتساءل زين الدين، هل يستطيع أو هل يريد نظام الطوائف جامعة قوية عصرية؟ مشككاً في تحقيق ذلك، “لأن ما هو مطلوب من أساتذة الجامعة لحفظ مستواها ورفعه ترانا نقوم به وبحماس كبير وبإمكانيات قليلة، أما ما هو مطلوب من الدولة من تعيينات وإصدار قانون جديد لتنظيم الجامعة اللبنانية وإعادة الصلاحيات لمجلسها إضافة للأبنية الجامعية في مختلف المحافظات وزيادة في موازنتها السنوية، فهذا غير حاصل، ولن نراه متحققاً في المدى المنظور.
لا نزال بورشة مستمرة لتطوير نظام التعليم (LMD)
وفي ما يتعلق باستراتيجية تطوير الجامعة اللبنانية وما حصل على الأرض على هذا الصعيد، لفت زين الدين إلى أنّ الجامعة سعت لمواكبة التطورات العالمية وتأمين متطلبات عملية النهوض والتطوير اللازمة، وهي كانت في طليعة الجامعات العربية التي إلتزمت الهيكلية الجديدة للتعليم العالي (LMD) على غرار الجامعات الأوروبية، وخاصة الفرنسية التي تربطها بالجامعة اللبنانية علاقات تعاون راسخة، وشدّد على ضرورة المضي به قدماً والعمل على تذليل العقبات كافة لكي يتمكن من تحقيق أهدافه لناحية تعزيز الحراك الأكاديمي والمهني للطلاب وإمكانية انخراطهم في سوق العمل ووضع آليات لضمان جودة التعليم.
وأكد زين الدين أنّ الجامعة اللبنانية لا تزال بورشة مستمرّة لتطوير هذا النظام، متحدثاً عن لقاءات دورية تحصل مع الهيئات التعليمية والإدارية والطلابية في الوحدات الجامعية لمناقشة تطبيق النظام والثغرات التي تعترضه.
وفيما شدّد على أنّ “هناك خطوات كثيرة يجب أن تتم بعد”، أكد المضي قدماً في هذه المشاريع، ولفت إلى أنّ مباراة الدخول مضبوطة إلى أقصى حد علماً أن هناك أربع كليات مفتوحة دون مباراة دخول هي: الحقوق والآداب والعلوم ومعهد العلوم الاجتماعية، لكن امتحانات السنة الأولى فيها جدية. وقال: “نحن لا ننافس أي جامعة على عدد الطلاب وعلى العكس، نحن بتكامل وتعاون مع كل هذه الجامعات“.
ملف التفرغ جاهز منذ سنة وخلفية العرقلة سياسية
وتطرق الدكتور حسن زين الدين إلى موضوعي التعاقد والتفرّغ العالقَين في الجامعة، لافتاً إلى أنّ التفرغ صلاحية مجلس الجامعة وليس الحكومة ولا أي جهاز من أجهزة الدولة، لكنه رأى أنّ العرقلة هي بخلفية سياسية، متحدثاً في هذا السياق عن ضغوط متبادلة انعكست على أداء الحكومة ما أحدث شللاً. وكشف أنّ ملف التفرغ جاهز منذ سنة، لافتاً إلى النزيف البشري الحاد الذي عانته الجامعة خلال السنوات القليلة الماضية باعتبار أنّ هناك جيلاً كاملاً يتقاعد، وقال: “منذ آخر دفعة تفرغ فعلية حصلت في العام 2008 دخل إلى الجامعة 630 شخصاً فيما غادرها 650، ما يعني أننا خسرنا، خصوصاً أن الجامعة كبرت، كما أن نظام الـ LMD يستلزم مزيداً من الأساتذة باعتبار أنّ عدد أفراد الشعبة لا يجب أن يتخطى الخمسين ليحصل حوار مع الطلاب”.
ورداً على سؤال، ما هو مستوى التعليم الرسمي في لبنان؟
أجاب زين الدين: “نحن نؤكّد على المستوى الجيد في كليات الجامعة اللبنانية، وللحفاظ على هذا المستوى ورفعه لا بدّ من توافر أمور بعضها بيد أهل الجامعة، كإختيار الأساتذة وتعديل البرامج وتوحيد كليات أو ماسترات وهذا ما يحصل، لكن ما هو مطلوب من الدولة من النواحي المالية والإدارية وإبعاد الطائفية التي تحصل على حساب المستوى وإبعاد كل موبقات النظام اللبناني عن الجامعة، نرى أن ذلك لا يحصل، بل ما يحصل هو عكسه في كثير من الأحيان.
وعاد ليؤكّد أنه لا مجال للمقارنة بين خريجي الجامعة اللبنانية وغيرها من الجامعات الخاصة وهذا ليس من باب التعصب للجامعة اللبنانية بل الوقائع تؤكّد ذلك، كما ذكرت آنفاً بالنسبة للإمتحانات التي يجريها مجلس الخدمة المدنية وغيره، وامتحانات الإختصاص في كليات الطب التي تكون المنافسة فيها مع الجامعات العريقة.
وتابع: عندما يكون معيار الكفاءة هو المعيار الوحيد لخيار مرشح نرى أن المرشح المتخرج من الجامعة اللبنانية أولاً، لذا لم يعد مستغرباً أن نقرأ إعلانات في الصحف تطلب مهندسين مثلاً من جامعتين عريقتين والجامعة اللبنانية على سبيل المثال.
وحول الوضع المعيشي للأساتذة، أكّد زين الدين على أن الأساتذة حصلوا من عامين على سلسلة رواتب جديدة رفعت مستوى رواتبهم الى ما يماثلها في جامعات فرنسا، وقد ربطت السلسلة بخطوة إصلاحية تمثّلت في زيادة الأنصبة للأساتذة، وبذل جهد إضافي في تأكيد احترام قانون التفرغ والاستفادة الجدية من قانون السنة السابعة.
لم تستكمل هذه الخطوة الإصلاحية الضرورية بخطوات أخرى مطلوبة لتستعيد الجامعة حيوية مفقودة لتتمكن من المنافسة ليس فقط في الداخل اللبناني، بل أيضاً مع جامعات عالمية.
وختم حديثه بالقول: “إن الوضع المعيشي للأستاذ الجامعي مقبول، لكن صوت الضمير يدفعنا للقول إن وضع الجامعة ليس جيداً وإن كنا نقول إن هذا أفضل من الممكن.
**